التعاون سبيل العرب لصد عواصف التراب 

952

هادفًا إلى استلهام فكرة لتصميم لعبة رقمية، يخرج عدنان في رحلة إلى المدينة القديمة التي هجرت من عشرات السنين. لا يمكن تنفس الهواء في المدينة المهجورة بسبب العواصف الترابية الكثيفة التي تحجب الشمس، لذلك يرتدي قناعًا يخصص لزائري المدينة القديمة يعينهم على التنفس واستيضاح الرؤيا في العاصفة. هناك يرى بقايا نافورة مياه عمرها 100 عام، ويمر على الموقع الذي ارتكز عليه أسد بابل لآلاف السنين، بعد استلهام فكرته يعود إلى القباب المتطورة التي بنتها الصين في أرضه، وهي أعجوبة هندسية أنقذت الدول التي تعاني من آثار المدمرة للتصحر، ومكنتهم من التنفس رغم العواصف الترابية القاتلة.

هكذا تخيل الكاتب العراقي “حسن بلاسم” بلاده بعد مئة عام من الغزو الأمريكي في قصة سماها “حدائق بابل” ترميزًا للقباب الحديثة التي كتبت لبلاده حياة جديدة بعد أن دمرتها آثار التغير المناخي وسنوات الصراع 1.

قد تغدو الصورة الأكثر قتامة من القصة واقعًا للعراق والعديد من دول المنطقة في المستقبل القريب. تجنبها قد يتطلب تعاون دولي وإقليمي  لتنسيق الجهود التي يمكنها خفض وتيرة حدوث العواصف الترابية.

فعواصف التراب لا تعترف بحدود أو دول، حيث تنقل الرياح الغبار من الأراضي القاحلة في الصحراء الكبرى إلى الشام والعراق، وتحمل الطمي الجاف من دلتا طوكر بجنوب شرق السودان إلى الجزيرة العربية فتؤدي إلى تدهور جودة الهواء في مدينة جدة على ساحل السعودية، أما الإمارات فتأتيها بعض العواصف المحملة بالتراب من إيران وأواسط آسيا، وتتأثر الأخيرة بما تجلبه الرياح من العراق وسوريا 2.

تخلف العواصف  آثار سلبية على قطاعات عدة منها النقل والزراعة، تضر بالبنى التحتية خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، كما ترتبط بأزمات صحية متعددة تترواح بين الأزمات التنفسية إلى سرطانات الرئة 2.

أواخر مايو الماضي أودت عدة عواصف ترابية بحياة 4 أفراد على الأقل في العراق وسوريا 3، واحتاج الآلاف إلى رعاية طبية في مستشفيات إيران والعراق، بينما توقفت رحلات الطيران مؤقتًا في الكويت، وحذرت كل من السعودية والإمارات رعاياهما من خطورة التنقل على الطرق البرية خلال العاصفة4.

وتنبه العالم العام الماضي  إلى مدى خطورة العواصف الترابية عندما ساهمت إحداها  في حرف سفينة حاويات عن مسارها مما أدى إلى غلق قناة السويس التي يمر منها قرابة 12% من حجم التجارة العالمية 5.

وتقدر الأمم المتحدة أن الكلفة الاقتصادية للعواصف الترابية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقرابة 13 مليار دولار أمريكي سنويًا 6. وهو رقم قابل للزيادة مع تزايد وتيرة العواصف الترابية نتيجة أزمة التغير المناخي.

اجتاحت عاصفة ترابية أجزاء من العراق لعدة أيام في أوائل أبريل 2022، وحولت السماء إلى اللون البرتقالي، مما قلل من الرؤية، وأدى إلى تدهور جودة الهواء.
07.4.2022
09.4.2022

عامل بشري

العواصف الترابية هي ظاهرة طبيعية، تحدث عند هبوب رياح قوية على أرض قاحلة فتنزع ترابها وتنقله مئات أو آلاف الكيلومترات عبر الهواء. رغم أضرارها لتلك الظاهرة منافع عدة، فبحسب المنظمة الدولية للأرصاد الجوية يسهم الغبار المنقول من الصحراء الكبرى في تخصيب غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية، و تغذية النظم الحيوية في المحيطات 7.

وتغطي الأراضي الجافة قرابة 40% من مساحة أراضي كوكبنا 8 ، لكن الصحراء الكبرى وصحاري الجزيرة العربية وحدهما هما المصدر لأكثر من نصف الانبعاثات الترابية 9. وعلى ذلك فإن الشرق الأوسط هو أحد أكثر الأقاليم العالمية تضررًا من الغبار 9.

إضافة للعوامل الطبيعية، فإن الاحترار العالمي الناتج عن النشاط البشري، وسوء استخدام وإدارة الأراضي والموارد المائية وانحسار الغطاء الأخضر في بعض دول المنطقة هي عوامل أخرى تزيد من وتيرة حدوث العواصف الترابية في المنطقة.


وذلك لأن جفاف التربة وشح المياه وغياب جذور النبات القادرة على تثبيت التربة يؤدي إلى تدهورها وسهولة تعريتها وحملها مع الرياح، ليؤدي تكرار تلك العملية إلى انحسار خصوبة الأرض التي تتحول تدريجيًا إلى صحراء جرداء.

ويشير تقرير صادر عن معهد ماكس بلانك الألماني أن المنطقة تحتر بضعف وتيرة المعدل العالمي 10، كما تعاني من ندرة حادة في مواردها المائية.

قد تفسر العوامل المناخية  ما تتراوح نسبته بين 36 إلى 60% من التغير في وتيرة العواصف الترابية في المنطقة بحسب ما بينته دراسة حديثة أجراها باحثون إيرانيون ونشرت في دورية ”  Theoretical and Applied Climatology  ” شهر يونيو من العام الجاري 11.

وتشير نتائج الدراسة إلى زيادة ملحوظة في وتيرة العواصف الترابية خلال العقدين الماضيين  في الجهة الغربية من المنطقة خاصة في الجزائر، كما في الجهة الشرقية التي تضم إيران وشبه الجزيرة العربية.

نتائج تطابق التصريحات الحكومية حيث أشار “عيسى الفياض” مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة العراقية إلى أن التغيرات المناخية عامل أساسي في زيادة موجات الغبار في بلاده. وازداد عدد الأيام المغبرة في العراق من 243 يومًا إلى 273 في السنة خلال العقدين الماضيين بحسب إحصائيات هيئة الأنواء الجوية العراقية 12.

أما الهيئة الملكية لمدينة الرياض فقد أشارت إلى أن العاصمة شهدت عواصف ترابية في 35 يوم خلال الأشهر الأولى من عام 2022، وهو رقم يفوق المسجل خلال الأعوام السابقة 3.

لا بديل عن التعاون 

صبيحة يوم 17 من يناير عام 1991 انطلقت  عملية “عاصفة الصحراء”  التي شاركت فيها 35 دولة في تحالف تحت قيادة الولايات المتحدة بهدف طرد القوات العراقية من الكويت، بعد أن طوقت معداتها الثقيلة الحدود الجنوبية للعراق. وكانت المنطقة قد شهدت قبلها بسنوات قليلة عمليات عسكرية واسعة استمرت 8 سنوات في حرب بين العراق وإيران.

قد يكون لتلك الصراعات دورُ في ازدياد وتيرة العواصف الترابية، فكما تبين دراسة أجراها باحثون من جامعة بغداد وجامعة ولونغونغ  الأسترالية ازدادت وتيرة عواصف التراب  جنوبي العراق بين عامي 1983 و 1992 ثم شهدت انخفاضًا حتى مطلع الألفية 13،  وقتها شهدت المملكة العربية السعودية زيادة مشابهة بحسب  دراسة  أخرى أجراها باحثون سعوديون 14.

ذاك أن تجريف التربة نتيجة حركة المعدات الثقيلة يسهل حمل الغبار عند مرور الرياح. كما قد تدفع الحروب المزارعين على هجرة أراضيهم تاركينها عرضة للتدهور، وتعرقل تبعاتها سبل التنمية المحلية والتعاون بين الدول في مواجهة الأزمات البيئية.

وحتى يومنا الحالي لم توقع كل من سوريا و ليبيا واليمن وإيران على اتفاقية باريس للمناخ، بينما لم تكن العراق عضوًا فيها حتى  أواخر العام الماضي.  وتعد الدول المتضررة من الحروب في المنطقة أكثر عرضة للتضرر من آثار التغير المناخي  والأقل استعدادًا على مواجهتها بحسب تقارير الهيئة الدولية للتغير المناخي 15.
 “ازدادت وتيرة عواصف التراب  جنوبي العراق بين عامي 1983 و 1992 ثم شهدت انخفاضًا حتى مطلع الألفية.”

يحمل تقرير البنك الدولي الخاص بالعواصف الترابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعض الأمل؛ حيث يشير إلى أن الآثار المدمرة للعواصف الترابية دفعت حكومات المنطقة لتبني خطط ومبادرات كبرى لمواجهة تدهور الأراضي، والتخفيف من آثار التغير المناخي 16.

رغم ذلك لاتزال التعاونات على مستوى الأقليم محدودة جدًا بحسب التقرير، رغم أهميتها في تكوين فهم أعمق لمسارات انبعاث الغبار وتكويناته وأضراره على المنطقة 16.

وتتمثل بعض الحلول لمواجهة عواصف التراب في تطوير نظم إنذار مبكر للتنبؤ بالعواصف والاستعداد لها بما يقلل الخسائر، بينما يمكن للتدخلات التي تقلل تآكل التربة وتعرضها للتعرية من الرياح مثل صدادات الريح أو الحفاظ على الغطاء النباتي أن يقلل من انبعاثات الغبار.

إلا أن تلك الإجراءات لا تغني عن التعاون الإقليمي، ففي حين شهدت الصين انخفاضًا ملحوظًا في وتيرة العواصف الترابية نتيجة لبرامجها البيئية الضخمة المتمثلة في الحفاظ على الغابات والتوسع في برامج التشجير 17، لازالت العواصف الترابية تأتيها من صحراء منغوليا، وهو ما يصفه باحثون في رسالة لدورية lancet Planerty Health  بدليل واضح على أن لا دولة تستطيع أن تقف وحدها في مواجهة عواصف التراب 18.

معتصم البارودي 

كاتب متخصص في القضايا العلمية. حاصل على دبلوم في مجال الكيمياء الحيوية والهندسة الوراثية

References 

  1. BLASIM, H. (2017). Iraq + 100: the first anthology of science fiction to have emerged from Iraq.
  2. Goudie, A., 2014. Desert dust and human health disorders. Environment International, 63, pp.101-113.
  3. Sayel, R., 2022. ‘Apocalyptic skies’: the dust storms devastating Gulf states and Syria. [online] the Guardian.
  4. Parker, C. and Patel, K., 2022. Sandstorm wave sweeps Middle East, sending thousands to hospitals. 
  5. Jankowicz, M., 2021. Here are the main theories of how the Ever Given got stuck in the Suez Canal. 
  6. UNEP. 2016. More action needed on sand and dust storms. [online] Available at: <https://www.unep.org/news-and-stories/story/more-action-needed-sand-and-dust-storms> [Accessed 22 June 2022].
  7. World Meteorological Organization. n.d. Sand and Dust Storms. [online] Available at: <https://public.wmo.int/en/our-mandate/focus-areas/environment/SDS> [Accessed 22 June 2022].
  8. Gaur, M.K., Squires, V.R. (2018). Geographic Extent and Characteristics of the World’s Arid Zones and Their Peoples. In: Gaur, M., Squires, V. (eds) Climate Variability Impacts on Land Use and Livelihoods in Drylands. Springer, Cham. https://doi.org/10.1007/978-3-319-56681-8_1
  9. Bodenheimer, S., Lensky, I. and Dayan, U., 2019. Characterization of Eastern Mediterranean dust storms by area of origin; North Africa vs. Arabian Peninsula. Atmospheric Environment, 198, pp.158-165.
  10. Hot Air in the Orient.2016, Max Planck institute.
  11. Jafari, E., Rezazadeh, M., Bazrafshan, O. et al. Spatiotemporal variability of sand-dust storms and their influencing factors in the MENA region. Theor Appl Climatol (2022). https://doi.org/10.1007/s00704-022-04105-5 
  12. وكالة الأنباء العراقية. 2022. البيئة تتوقع تصاعد الغبار إلى 300 يوم في السنة. [online] Available at: <https://www.ina.iq/153005–300-.html> [Accessed 22 June 2022].
  13. Attiya, A.A., Jones, B.G. Climatology of Iraqi dust events during 1980–2015. SN Appl. Sci. 2, 845 (2020). https://doi.org/10.1007/s42452-020-2669-4
  14. El-Shobokshy, M. and Al-Saedi, Y., 1993. The impact of the gulf war on the Arabian environment—I. Particulate pollution and reduction of solar irradiance. Atmospheric Environment. Part A. General Topics, 27(1), pp.95-108.
  15. Lienard, C., 2022. MENA Climate Week 2022: Tackling Climate Change in MENA by Improving Regional Cooperation | BIC-RHR. [online] brussels International Center. 
  16. World Bank. 2019. Sand and Dust Storms in the Middle East and North Africa Region—Sources, Costs, and Solutions. Washington, DC.
  17. CGTN. 2022. China steps up tree-planting efforts to reduce carbon emissions. [online] 
  18. Wu, Y., Wen, B., Li, S. and Guo, Y., 2021. Sand and dust storms in Asia: a call for global cooperation on climate change. The Lancet Planetary Health, 5(6), pp.e329-e330.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *