من الرائع معرفة أن ما أقوم به يشجع المزيد من الناس على الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية

32

تشغل لينا خطيب منصب رئيس تجمع النرويج من أجل فلسطين في الوقت الذي تشهد فيه فلسطين أسوء هجوم في العصر الحديث. هنا في حديث مع دار تتحدث لينا عن ذكريات الجليل، السباحة في المتوسط، .وموسم الزيتون في أرض الدار

تناقضات الطفولة

في مكتب تجمع النرويج من أجل فلسطين في العاصمة أوسلو، نجتمع مع لينا خطيب، الناشطة الفلسطينية البارزة التي باتت تشكل أيقونة للنضال الفلسطيني في النرويج. بين اجتماع وآخر، تجلس لينا هناك بجوار كومة من التقارير والملصقات، وعلم فلسطين يرتفع بفخر في الزاوية، وهي تستحضر ذكريات طفولتها في منطقة الجليل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كنت أذهب لزيارة عائلة والدي في الجليل في كل صيف. السباحة في البحر المتوسط والمشاركة في موسم جني الزيتون هي أهم ذكرياتي، تبدأ لينا حديثها بابتسامة دافئة.

أصول عائلة لينا خطيب تمتد إلى دير حنا في منطقة الجليل. تناقضات طفولتها تقع في كل التفاصيل. بين ذكريات سعيدة وألم عميق، وبين عائلة والدتها النرويجية الصغيرة وعائلة والدها الفلسطينية الكبيرة. اختلاف التكوين العائلي هذه ألقى بظلاله على تجربة لينا كفلسطينية.

الذكريات الجميلة من دير حنا تتصاحب مع ألم عميق ناجم عن واقع الاحتلال الإسرائيلي المخالف حتى لخطة تقسيم الأمم المتحدة، التي اعتبرت الجليل في إسرائيل الحالية جزءًا من “دولة فلسطين المستقلة” آنذاك، قبل أن يتم احتلال المدينة بشكل غير قانوني في عام 1948 من قبل إسرائيل.

 تتجلى التناقضات بوضوح بعد ذلك عندما كانت العائلة تتوجه لزيارة أصدقاءهم في الضفة الغربية. يصاحبهم في رحلتهم هناك نقاط التفتيش والحواجز الطرقية وتواجد الجنود والقوات العسكرية. واقع مليء بالتمييز الذي يفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل مؤلم.

كان علينا دائمًا كفلسطينيين الامتناع عن التعبير بصوت مرتفع وحتى الكتابة أو التكلم عن فلسطين بشكل علني في المطارات. هذه التجارب كانت تضع والدي تحت ضغوط نفسية شديدة.

تنحدر لينا خطيب من أسرة دائماً ما كانت ملتزمة سياسياً. والدها ملتزم بقضية فلسطين، بينما والدتها تُظهر اهتماماً بالقضايا النسوية والمساواة بين الجنسين. هذا التراث السياسي والاجتماعي للعائلة كان له تأثير كبير على لينا خلال نشأتها.

التفاعل مع بيئات مختلفة منح لينا فرصة ممارسة الهوية الفلسطينية بشكل مختلف، حيث تصف أن ممارسة هذه الهوية كان دائماً عملية أقل تعقيداً في النرويج منه في الأرض المحتلة.

اندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين عام 2000 كان الحدث الذي شكل نقطة التحول في انطلاقة لينا في النضال السياسي. تصف لينا تلك الفترة بأنها تجربة فريدة لها، خاصة بسبب توفر قناة الجزيرة بنسختها الإنجليزية فجأة، مما أتاح للعالم رؤية الواقع الفلسطيني بمزيد من التفاصيل.

كانت لينا خطيب في الصف الثاني في المدرسة الثانوية في ويلز تحاول مع أصدقائها متابعة الأحداث في فلسطين عبر الإنترنت البطيء في مكتبة المدرسة. تذكر بتوتر كبير كيف كانت تنتظر بفارغ الصبر التحديثات دقيقة بدقيقة وتشعر بالعجز الشديد تجاه الواقع المأساوي الذي كان يعيشه الشبان والشابات في فلسطين تحت الاحتلال والحصار.

في العام التالي، عادت لينا إلى النرويج وبدأت مسيرتها السياسية المحلية. شاركت في إنشاء أول فرع محلي لتجمع النرويج من أجل فلسطين في بيرجن عام 2000، وتم انتخابها كرئيسة للتجمع في سن مبكرة حيث كان عمرها آنذاك 17 عامًا.

أتذكر أول خطاب ألقيته والنشاطات التي قمنا بها. أتذكر في أحد المرات كيف قمنا بإنشاء حاجز في ساحة بيرجن الرئيسية تورغالمينين مرتدين ملابس جنود. كنا ساذجين بعض الشيء لكننا كنا نحاول كل ما في استطاعتنا من أجل الترويج والتنظيم للقضية. نجحنا حينها في جذب انتباه الكثير من الأشخاص. حتى لارش فاولار حضر وغنى في تظاهرتنا الأولى في بيرغن حوالي عام 2000- 2001 (فاولار هو مغني راب نرويجي شهير من مدينة بيرجن).

على صعيد شخصي، أصبحت لينا أمًا لثلاثة أولاد يتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والسابعة عشر عامًا، وهم يشاركون في نضالات الأم في دعم قضية فلسطين. حديثًا، انضم تجمع النرويج من أجل فلسطين إلى عالم TikTok، وهو أمر يعلق عليه أصغر أبنائها بتقديم النقد والنصائح.

اليوم، تعتبر لينا خطيب رمزًا للنضال الفلسطيني في النرويج وتتلقى العديد من الرسائل من أشخاص يشكرونها على أنها صوت ومصدر إلهام للقضية الفلسطينية. الرسائل القادمة من الشباب والشابات ذوي الخلفيات المهاجرة تكون ذات خصوصية أكبر بالنسبة لها.

من الرائع معرفة أن ما أقوم به يشجع المزيد من الناس على الوقوف إلى جانب القضية، ويمنحهم الجرأة للتحدث عنها. أشعر بفخر شديد لدرجة أنني أبدأ بالبكاء فرحاً في كثير من الأحيان.

هجوم حماس على إسرائيل

في 7 أكتوبر 2023، نفذت حركة حماس هجوم مفاجئ وواسع النطاق على جنوب إسرائيل في مناطق تبعد بضعة كيلومترات فقط عن الحدود مع غزة. الهجوم هو الأعنف من قبل حماس التي تدير القطاع منذ عام 2007.

لينا خطيب كغيرها من الفلسطينيين وجميع المهتمين بالقضية الفلسطينية تبدو متأثرة بشكل واضح بما يجري، حيث أن رد الفعل من قبل قوات الجيش الإسرائيلي أدى حتى الآن إلى فقدان أكثر من 20,000 حياة مدنية منذ 7 أكتوبر، والوضع في غزة والضفة الغربية هو أسوأ أزمة إنسانية منذ سنوات عديدة. وفقًا للأمم المتحدة، هناك ملايين من الفلسطينيين الذين تم دفعهم إلى النزوح في وطنهم، بالإضافة إلى 65 صحفيًا فقدوا حياتهم بسبب الهجمات الجوية المتكررة. يتصاحب ذلك بأمل مفقود في أن المحكمة الدولية لا تزال تعني الفلسطينيين وفلسطين في الأزمة الحالية.

لم أشعر سابقاً بخوف مشابه للخوف الذي عشته في الأيام الأولى بعد هجوم حماس. لم أكن خائفة على نفسي، ولكن من ما سيأتي. لأن كل ما تحاول إسرائيل فعله هو أن تظهر للعالم أن حياة الفلسطينيين لا قيمة له وأنهم يمكنهم القيام بما يرونه مناسبًا لحماية المواطنين الإسرائيليين. من غير المفهوم تمامًا أنه يُسمح لهم بتخطي ما فعلوه دون فرض عقوبات أو محاسبة.

غياب التفاصيل في تغطية الإعلام

مواجهة إسرائيل وحكومتها بالانتقاد ليست أمرًا جديدًا على لينا. بعد أيام قليلة من هجوم 7 أكتوبر، ظهرت في برنامج “الحوار” الشهير على التلفزيون النرويجي NRK للتحدث نيابةً عن تجمع النرويج من أجل فلسطين. تعرضت الخطيب قبل ذلك لانتقادات شديدة من السفارة الإسرائيلية في النرويج بسبب اتهامها بأنها موالية ومؤيدة لحماس، وهو أمر تنفيه تمامًا.

الأمر بمجمله غير صحيح. تجمع النرويج من أجل فلسطين هو منظمة سياسية مستقلة. نحن نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني ولا ندعم أي أحزاب سياسية. نحن مستقلون سياسيًا في النرويج ومستقلون سياسيًا في فلسطين.

في حديثها عن الإعلام ترى الخطيب أن التغطية الإعلامية في النرويج تفتقر إلى التفاصيل، سواء تغطية الأصوات الإسرائيلية الناقدة للحكومة الحالية في أو تجارب الاحتلال الطويلة المختلفة التي عاشها الجانب الفلسطيني. بشكل خاص تعتقد لينا بأنه يجب تعزيز الأصوات الإسرائيلية الشابة التي ترغب في حل سياسي في وسائل الإعلام النرويجية.

على سبيل المثال انتقدت الفئة الشابة الناجية من الهجوم بشدة طريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الوضع بأكمله في وسائل الإعلام، وقالوا “لا ثارات باسمنا”.

نحن مستقلون سياسيًا في النرويج ومستقلون سياسيًا في فلسطين.
 
الصورة: جانيك آبل

في الوقت نفسه، تُذَكِر الخطيب أن حوالي 20% من سكان إسرائيل هم فلسطينيون من حاملي الجنسية الإسرائيلية، و مضطرون للعيش في الخفاء والخوف، حيث يتجنبون التحدث بحرية خشية التعرض لهجمات من قبل الجنود الإسرائيليين أو المستوطنين.

كل هذه التفاصيل هي أمور يتم تداولها في وسائل الإعلام، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. ما أقصده أنها مواضيع متاحة وليس من الصعب العثور عليها. ومع ذلك، ما يزال النقاش العام في النرويج يرتكز فقط على الحديث عن حماس.

على الرغم من كل ما حدث خلال الأشهر الأخيرة، تعتقد الخطيب أن الخطوة الأولى نحو مستقبل أفضل يبدآ في وقف إطلاق النار. من هناك، يمكن بدء النقاش حول الحلول السياسية التي تضمن مستقبلًا آمنًا للجميع، مع الأمل في أن يصبح الجليل مدينة سلمية يمكنها العودة إليها.

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *