الاعتداء المجهريّ

635

الاعتداء المجهريّ بين النظرية والواقع

انطلاقاً من العنصرية والأخذ بعين الاعتبار صِلَتُها بأنواعٍ أُخرى من التسلسل الهرمي الاجتماعي، يُميّز ديرالد وينغ سو Derald W. Sue بين ثلاثة أشكال من الاعتداء المجهري: الهجوم المجهريّ والإهانة المجهرية والتجاهل المجهريّ.

يتميز الهجوم المجهري بهجماتٍ لفظيةٍ صريحةٍ من شأنها إيذاء المُتلقي لها، حيث تكون على شكل مصطلحاتٍ مُهينةٍ أو عملٍ مٌراوغٍ أو تمييزٍ مُتَعمّدٍ. ويرتبط هذا الشكل من أشكال العدوان المجهري أساساً بالعنصرية الصريحة. وبالتالي يحدث عادةً بشكلٍ واعٍ ومقصود، وذلك على الرغم من حدوثه دائماً في سياقاتٍ خاصة تمنح الأشخاص إلى حدٍ ما الفرصة لإخفاء هويتهم. وعلى الرغم من هذا الإخفاء، إلا أن التعبيرات اللاواعية عن النفور وغير المقصودة هذه تندرج في المقام الأول تحت مفهوم العدوان المجهريّ، كالإهانة المجهرية والتجاهل المجهريّ.

كتب المقال:
راندي جريسجورد: أستاذة في مركز أبحاث المرأة والجندر (SKOK) في جامعة بيرغن. نشرت كتبًا ومقالات في أبحاث الهجرة والأقليات، بالإضافة إلى أبحاث تتعلق بتحدث المدن. 


تُشير الإهانة المجهرية إلى شكلٍ من أشكال الإهانة والتي لا يُمكن للمرسل أن يُدركه دائماً، ولكنه مع ذلك يُشير إلى التبعية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال يُشير سو Sue إلى تعليقٍ يوجهه مدير أبيض إلى موظفٍ غير أبيض، حيث يقول “أعتقد بأن الشخص الأكثر كفاءة يجب أن يحصل على الوظيفة بغض النظر عن العرق“, كذلك سؤال: ” كيف حصلت على هذه الوظيفة؟“.
عباراتٍ كهذه لا يمكن تسميتها بالعدوان المجهريّ، إلا أنها تُلقي لدرجةٍ ما بظلال الشك على الكفاءة التي تجعل الأشخاص الغير بيض يستحقون هذه الوظيفة، كما وتثير الشكوك في أن الأشخاص الغير بيض يستفيدون من بعض مزايا الأقليات عند التقدم بطلب للحصول على الوظيفة، مما يسمح لنا بإطلاق اسم الإهانات المجهرية على مواقفٍ كهذه. بالإضافة إلى التعليقات اللفظية، فإنه يتم التعبير عن الإهانات المجهرية من خلال الإيماءات والنظرات ونبرة المُتَحدّث. فتجنّب المُحاضرون البيض لإعطاء الأهمية أو الالتقاء بالنظرات مع الطلاب ذوي البشرة الداكنة خلال المناقشات في الفصول الدراسية، يمكن أخذه كمثالٍ على هذه الإهانات الغير لفظية.

من ناحيةٍ أُخرى، يُشير التجاهل المجهريّ إلى التواصل الذي يُقصي أو يتجاهل أفكار الشخص أو مشاعره أو الواقع المُعاش، وذلك كأن يقوم الأشخاص البيض بالقول للأشخاص غير البيض: “أنا لا أُولي أهمية للون البشرة” أو “كلنا بشر”. تصريحات كهذه تقوم بتجاهل خبرات هؤلاء الأشخاص، كما وتجعل من الصعب عليهم الإشارة إلى العنصرية طالما أن رسالتهم الأساسية هي “أنا لا يُمكنني أن أكون عنصرياً طالما أنني لا أهتم للون البشرة”.
الأمر الذي يُعتبر إشكالياً بشكلٍ خاص، هو تجاهل الأشخاص في مواقع القيادة لتعرض الأشخاص غير البيض لتجارب العنصرية الهيكلية، وذلك من خلال قيام هذه القيادة بعدم لإشارة إلى بيانات برنامج مُناهضة العنصرية. ومثال آخر على التجاهل المجهري، هو الإشادة بالنرويجيين الذين ينتمون إلى أقليةٍ عرقيةٍ أو ذوي البشرة الداكنة وذلك لتحدثهم اللغة النرويجية بشكلٍ جيدٍ أو سؤالهم من أي بلدٍ ينحدرون. تصريحات كهذه -والتي لا تحدث فقط في الأوساط الأكاديمية- تقوم بنكران بأنه يمكن للأشخاص الغير بيض بأن يكونوا نرويجيين على قدم المساواة مع البيض كما وتجعلهم يشعرون بأنهم غرباء في بلدهم.

يُنظَر إلى العدوان المجهري غالباً على أنه تافه وغير ضار من قِبَل أولئك الذين نادراً ما يتأثرون أو لا يتأثرون به على الإطلاق. وذلك على عكس ما يُنظَر إلى الأقوال والأفعال المدفوعة بالعنصرية والتمييز ضد النساء ورُهاب المثلية ورُهاب الإسلام والكراهية الطبقية. فغالباً ما تحدث الإهانات دون التطرق صراحةً إلى علامات الاختلاف. فهذه العلامات يمكن أن تكون غير لفظية، مثل تجنب النظر إلى الشخص أو تجنب الاستماع له، أو النظر بريبةٍ إليه، أو الشك والاستخفاف بأشخاصٍ مُعيّنين. كما ويمكن أن تكون هذه الإهانات على شكل ملاحظات تحدد التسلسل الاجتماعي وتجعل المُتلقين لها يشعرون بتدني القيمة والتهميش.

تعزيز المشكلة

تم تقديم مفهوم الاعتداء المجهري من قِبَلْ الطبيب النفسي الأمريكي تشيستر بيرس Chester Pierce ومجموعة الباحثين الخاصة به، وذلك في سبعينيات القرن الماضي. في بحثٍ لاحق في عام 1995 قام بيرس بتسليط الضوء على العبء التراكمي لما يمكن أن يبدو كحالاتٍ غير ضارةٍ للعنصرية والتمييز على أساس الجنس. وفقاً لبيرس، فإن التعرض اليومي للاعتداء المجهري يمكن أن يكون له آثار سلبية خطيرة على الصحة النفسية والبدنية. كما ويعتقد بعض الباحثين أن الآثار السلبية للاعتداء المجهري، قد تكون أكبر من آثار التعرض للعنصرية الصريحة، أو آثار رُهاب المثلية والتمييز على أساس الجنس.

إن السمة المشتركة لجميع أشكال الاعتداء المجهري هي أنه يتم وضع الضحايا في مأزق، وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء قائم على أساس العرق، أو الجنس، أو الهوية الجنسية، أو العلامات الاجتماعية الأُخرى. فغالباً ما يأتي رد الفعل الفوري على شكل سلسلة من الأسئلة: هل حدث بالفعل ما اعتقد بأنه قد حدث؟ هل حدث ذلك عن قصد أم كان غير مقصود؟ كيف يجب أن أتصرف؟ إذا تناولت الأمر مع الآخرين، كيف يمكنني الإثبات بأنه مشكلة؟ هل يجب أن أتوقف عند هذا الحد، أم أحاول التحدث بحرص، أم أقوم بالمواجهة؟

ماهي المشكلة؟

 عدم تناول وتغطية آليات التمييز العنصري، قد تكون جزء من تفسير الاهتمام المحدود للاعتداء المجهري في الأوساط الأكاديمية وفي المؤسسات الأُخرى. كما وأدى انخفاض التمييز العلني ضد المرأة والأقليات المختلفة على سبيل المثال إلى افتراض بأن التمييز غير المعلن قد انخفض بالمُقابل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *