كيف نتحدث مع الأطفال عن العنصرية

807


يمكن اختبار خطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء في العديد من المجالات في المجتمع. الأمر لا يحدث فقط مع البالغين كما يتخيل البعض، فالأطفال أيضاً يمكنهم بسهولة فهم السلوكيات والمواقف التي تدور بين البالغين. هم يرون العالم بنفس طريقتنا، يظهر ذلك جليّاً من خلال السلوكيات المُتبَعة في المدرسة والنشاطات الرياضية وفي المنزل. كثيراً ما نقرأ عن العنصرية في وسائل الإعلام، وهناك انطباعٌ لدى البعض بأننا لا نعاني هنا في النرويج من هذه المشكلة، وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً تماماً. في عام 2015, تلقى السياسيون النرويجيون ملاحظةً من أحد خبراء لجنة التمييز العنصري في جنيف والتابعة للأمم المتحدة. جاء في هذه الملاحظة حسب موقع (hl-sentret.no):
“هناك الكثير من الممارسات العنصرية في النرويج، ولكنكم تقومون بتسميتها بمسمياتٍ أُخرى. لماذا تحاولون التحايل على الموضوع؟ لماذا لا تقومون باستخدام كلمة العنصرية؟”. تستند حقوق الإنسان حسب الأمم المتحدة إلى كرامة الإنسان كجزء أساسي لدولة القانون والحقوق. كما أن اتفاقية حقوق الطفل هي جزء من حقوق الإنسان والتي تُعطي الأطفال والشباب حمايةً خاصة.  لدينا في النرويج أيضاً تشريعات لحماية الناس من العنصرية، من بين هذه التشريعات يمكن ذكر قانون العقوبات §185a, والذي يُسمى ببند العنصرية. وفي نفس الوقت تلتزم المدرسة من خلال المناهج الدراسية، بالانطلاق من الكرامة الإنسانية كأساس للتربية والتعليم.

كاتب المقال رانيا جلال الناهي: ناشطة، تعمل في بلدية أوسلو. حصلت على درجة الماجستير في ممارسة المحادثة والأخلاقيات والقيادة من كلية اللاهوت بجامعة أوسلو.

ماهي العنصرية؟

تدور العنصرية حول تصنيف المجموعات تبعاً للأصل والعرق والتمييز بينها على أساس هذا التصنيف. يمكن أن تكون العنصرية مقصودة أو غير مقصودة، كما ويمكن ربطها بإيديولوجية مُعيّنة. ولكن وعلى الرغم من هذا الربط فإن التمييز القائم على أساس لون البشرة أو الصفات الجسدية الأُخرى أو الانتماء الثقافي المُفتَرَض، قد يحدث دون إدراك أو وعي لحدوثه. فيمكن أن تكمن العنصرية في الأفعال والهيكليات دون أن يكون هناك نيّة لوجودها.
كمثالٍ على العنصرية الهيكلية يمكننا ذكر ما يحدث عند التقدم بطلبٍ ما للعمل، فإذا كان لديك اسم أجنبي فمن غير المُرَجح أن يتم استدعائك لإجراء المقابلة، وسيكون الأمر أسهل لو كنت تحمل اسماً نرويجيّاً. وهو بالمناسبة أحد الأمور التي تحاول السلطات إيجاد حل لها عبر البدء في تجربة طلبات التوظيف المجهولة، أي التي لا يتم فيها كتابة الاسم، ويتم الاكتفاء فقط بكتابة السيرة الذاتية ونص الطلب. الأمر الذي يعطي الأهمية الأكبر للمؤهلات والمميزات الشخصية بدلاً من إعطاء الأهمية للخلفية الدينية والعرقية والثقافية.

لقد قمنا في النرويج بإجراء العديد من النقاشات حول العنصرية، لكن الكثيرون يشعرون بأنه لم يتم أخذ هذه النقاشات على محمل الجد. فلقد مر 20 عاماً على مقتل الشاب بنجامين هيرمانسن Benjamin Hermansen بوحشية على يد النازيين الجدد، الجريمة الذي تمت بدوافعٍ عنصرية. في العام الماضي اتقد النقاش مُجدّداً والذي ترافق مع نشاط حركة حياة السود مهمة Black Lives Matter


كيف تتحدث مع أطفالك عن العنصرية، الإقصاء وخطاب الكراهية

بصفتك أحد الوالدين فإنه من المهم إدراك جدية موضوع تعرّض أطفالك للعنصرية وخطاب الكراهية والإقصاء، والتي عادة ما تسبب للأطفال الكثير من الألم. هنا يأتي دور الوالدين في التحدث مع أطفالهم عن العنصرية حتى لا يتحمّل الطفل العناء بمفرده. يتوجب علينا نحن البالغين التحدث أكثر مع الأطفال عن العنصرية والإقصاء، وذلك سواء في المنزل أو في المدرسة أو في الأنشطة الرياضية أو في أي مجالٍ آخر. قيامنا بذلك سيساعد الأطفال في الحصول على الكلمات والتعابير التي تساعدهم على فهم ما يجري حولهم، فمن المهم الاعتراف للطفل بوجود المشكلة، وخاصة أن الأطفال يحاولون تجنب الحديث عن التجارب المؤلمة.


يخشى الكثير من الناس التقدم بطلب البحث عن الوظائف نتيجة لتجاربهم السيئة في هذا المجال. فالمرء يصبح أكثر وعياً وإدراكاً للأشياء السيئة نتيجة تعرضه المُسبَق لها. كذلك هو الخوف من العنصرية والاستبعاد الذي يشعر به البالغون، والذي يتعلم الأطفال الشعور به أيضاً. هنا يجد المرء نفسه في حلقة مُفرغة حيث يُوَرّث ضحايا العنصرية خوفهم إلى أطفالهم، كما ويُوَرّث أولئك الذين يُمارسون العنصرية هذه الممارسات لأطفالهم الذين يؤمنون بصحة هذه المواقف والآراء دون طرح الكثير من الأسئلة والاستفسارات حولها.


العنصرية في المدرسة

وفقاً لتقرير “لا نريد اللعب معك لأنك أسمر البشرة”،”Vi vil ikke leke med deg fordi du er brun” والصادر عام 2017 عن مركز مكافحة العنصرية، فإن المدرسة تُعَد إحدى الساحات الاجتماعية التي يبلغ فيها مستوى المرور بتجارب عنصرية حده الأقصى. حيث يتم التعرض للعنصرية بشكل خاص في المدارس الابتدائية والإعدادية barne- og ungdomsskolen، وكذلك الأمر في المدارس الثانوية videregående وفي أنشطة أوقات الفراغ وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. يقوم واحد من كل أربعة أطفال ممن لديهم أحد أو كلا الوالدين من أصول أجنبية بالإبلاغ عن تعرضه للعنصرية أو التمييز أو المعاملة غير العادلة في المدرسة الإعدادية ungdomskole، مرتين أو ثلاث مرات في الشهر. كما يختبر العديد من الأشخاص عدم اكتراث أو تقصير المدارس في متابعة أحداث مرتبطة بالعنصرية.
 إن الطريقة الأفضل لمحاربة العنصرية هو التأكد من عدم حدوثها. على سبيل المثال، كل شخصٍ يجب أن يكون مسؤولاً عن الطريقة التي يتحدث بها مع الآخرين وعدم توجيه الشتائم. كما أنه يتوجب علينا التفكير قبل استخدام بعض الكلمات الشائعة التي تعمل معاني مهينة تجرح الآخرين حتى ولو لم يكن ظاهرها مهيناً حقاً. تُعتَبر مكافحة العنصرية جزءً من مكافحة التنمّر، لذا فيتوجب على جميع المدراس العمل لمكافحتها. يضمن قانون التعليم التزام المدرسة بتأمين بيئة مدرسية آمنة وجيدة لجميع الأطفال. يحتاج المعلمون وغيرهم من البالغين الذين يعملون مع الأطفال والشباب إلى المزيد من المعرفة حول العنصرية وكيفية التعامل معها من أجل التغلب على المشكلة. كما ويجب تضمين موضوع العنصرية بشكلٍ أكبر في المناهج الدراسية لطلاب المدراس، وفي نفس الوقت يجب تعزيز هذا الموضوع بشكل أكبر في مناهج إعداد المعلمين، حيث لا يوجد أدنى شكٌ في أن طلاب معاهد إعداد المعلمين في النرويج بحاجةٍ إلى المزيد من الكفاءة لمواجهة المواقف التي تتضمن العنصرية والتمييز.

كيف تتحدث مع طفلك عن العنصرية والتمييز والإقصاء؟

يمكن أن تُشكل المُعاملة بشكلٍ مختلف بسبب لون البشرة أو الدين أو العرق ضغطاً نفسياً كبيراً على الأطفال. يُطلق على الضغط الإضافي والشعور الذي تعاني منه الأقليات نتيجة العنصرية والإقصاء بضغط الأقلية Minoritetsstress. فإذا قام مجتمع الأكثرية بإخبار أحد الأطفال بأنه أقل قيمةٍ بسبب لون بشرته، فإن ذلك سيؤثر على نظرة هذا الطفل إلى نفسه. فلربما قد تم جرح مشاعرك نتيجة هويتك كأقلية. كشخصٍ بالغ يتوجب عليك أن تكون على وعي ودرايةٍ بالتوتر والشعور بعدم الراحة الذي ينتاب طفلك نتيجة انتماءه إلى أقليةٍ ما في المجتمع. كما يتوجب عليك أن تكون مستعداً للمشاعر القوية التي قد يُظهرها طفلك، كالخجل أو الخوف أو الغضب والتي تُعتبر من الأمور الشائعة في مثل هذه الحالات. أخبر طفلك بأنك مستعداً لسماعه بغض النظر عما سيقوم بإخباره. من المهم جداً ألا تنسحب من الموضوع عندما يحاول الطفل الانفتاح على ما يمر به لأول مرة. فالأطفال الذين ينتمون إلى أقليةٍ ما يحاولون في كثيرٍ من الأحيان تبسيط حوادثٍ كهذه لجعلها غير مؤذية لهم أو لغيرهم. لذا أظهر الاهتمام والجدية للأطفال وكذلك الدعم، ودع الأطفال يتحدثون مستخدمين كلماتهم ووتيرتهم الخاصة. من الطبيعي أن ترغب باقتراح الحلول بينما يقوم طفلك بالتحدث، لكنه من الأفضل أن تتراجع عن ذلك وتحاول الاستماع والاعتراف بخطورة ما يقوله الطفل لك. عند انتهاء طفلك من الحديث يجب عليك أن تخبره مدى تقديرك لأنه قام بإخبارك بالأمر، وبأنك تشعر بالأسف لما يعاني منه.

قُم بطلب المساعدة إذا لم تكن مُتأكداً من كيفية مساعدة طفلك. وفي نفس الوقت تذكر أهمية تلك المحادثة اليومية التي نجريها حول طاولة الطعام مع أطفالنا. إن إدراك ما يتم قوله وكيفية قوله والطريقة التي يدرك بها الأطفال ما يسمعونه أمراً مهماً للغاية.  يجب أن نتذكر بأن الأطفال يأخذون الأشياء الذي يسمعونها حرفياً ويقومون بإخبارها لزملائهم في الفصل أو لأي أحدٍ يشاركهم في كرة القدم مثلاً.

أهم ما يمكنك القيام به كأب أو أم هو أن تكون قدوةً حسنة. قُم بالتفكير في مواقفك الخاصة. كما وقم بتعليم الأطفال وهم في سن الروضة بأن يعبّروا عن مشاعرهم وردود أفعالهم على كلمة “عنصرية”. أما بالنسبة للأطفال الأكبر سناً، فمن المهم التحدث معهم والاعتراف بوجود العنصرية والتمييز في النرويج، الأمر الذي يساعدهم على تعلم التفكير النقدي والبنّاء ضد الظلم والتمييز.
يمكنك منح الأطفال قدوة حسنة مشابهة لهم من خلال انتقاء القصص أو الأفلام ومتابعتها بشكل جماعي ضمن نطاق الأسرة أو بشكل فردي عند الذهاب معهم إلى السرير. فيما يمكنك اختيار العديد من الكتب للشباب التي قد تكون مفيدة في فهم وشرح الإقصاء والعنصرية.
عدم توفر ما يمثّل الأطفال والشباب سواء من خلال اللعب والقصص والتلفاز، سيعزز من شعور الاختلاف والاستبعاد لديهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *