لقاء مع أسماء درباس، السوريّة الفائزة بجائزة التنوع في تروندهايم

594

  جائزة (التنوع) خطوة نحو تحقيق حلم منظمة المرأة السورية في عموم النرويج.

كغيرها من اللاجئين السوريين، عبرت السيدة أسماء درباس بمحطات ومراحل كثيرة خلال رحلة لجوئها مع أسرتها هروباً من الحرب والمحرقة السورية، إلى أن استقرت أخيرا ً في مملكة النرويج الاسكندنافية لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها، عنوانها الأبرز: (الإرادة والحلم في مواجهة الصعوبات والتحديات). محاولات حثيثة للاندماج في المجتمع الجديد وفهم الثقافة النرويجية، مع رغبة جادة في الشعور بالانتماء للوطن البديل. لقاءات عديدة جمعت درباس مع سيدات سوريات في مدينة تروندهايم، نتج عنها تأسيس منظمة (المرأة السورية للتنمية في تروندهايم) التي سرعان ما أثبتت وجودها على ساحة الأنشطة المجتمعية والثقافية، وتوجت مؤخراً (بجائزة التنوع) التي تمنحها بلدية مدينة تروندهايم سنوياً، نظراً للدور المميز والريادي الذي قدمته أسماء درباس ومنظمة المرأة السورية التي تترأسها في مواجهة الصعوبات الحياتية التي فرضتها جائحة الكورونا، وللمساهمات الإيجابية في الاندماج. (دار) حاورت السيدة أسماء درباس على هامش فوزها بجائزة التنوع، ولتسلط الضوء على أهم محطات ومراحل تأسيس وعمل منظمة المرأة السورية للتنمية في تروندهايم.  

أسماء درباس رئيسة منظمة (المرأة السورية للتنمية في تروندهايم):

-ما هي أهم الدوافع والأسباب التي دفعتكم لتأسيس (المرأة السورية للتنمية في تروندهايم)؟

*- منذ وصولي للنرويج قبل ستة أعوام، وجدت أن المجتمع النرويجي عموماً لديه نظرة تقليدية غير واضحة أو واقعية عن المرأة السورية، هذا ما شجعني مع عدد من الفتيات والسيدات السوريات المقيمات في مدينة تروندهايم، على تأسيس مجموعة نسوية للقاء وتبادل الأفكار والأنشطة. تطورت الفكرة سريعاً لتتحول إلى منظمة مرخصة ومسجلة اخترنا لها اسم (المرأة السورية للتنمية في تروندهايم) البداية كانت حاجة ماسة للتعبير عن الذات، وتقديم الثقافة العربية والسورية بشكل مختلف عن النظرة السائدة للمرأة العربية عموماً والسورية خصوصاً. وجه لنا بعض الأصدقاء النرويجيين الكثير من الأسئلة حول طبيعة حياة المرأة السورية. على سبيل المثال: هل يوجد لديكم غاز أو ماء أو كهرباء في سوريا؟ أين هي مكانة المرأة في المجتمع السوري؟ هل حقاً تتعرض المرأة السورية للقمع؟ كان لا بد لنا من الإجابة والتوضيح وتقدم صورة صحيحة لواقع مجتمعنا السوري ومكانة ودور النساء فيه.

عادة ما تواجه مجمل المنظمات أو الجمعيات حديثة العهد الكثير من الصعوبات، بالمقابل هناك عوامل إيجابية تساعد على نجاحها والنهوض بها، أين كانت منظمتكم من هذه المحطات؟

*- دعني أبدأ بالسلبيات والصعوبات. للأسف جاءت أكبر تحدياتنا من أبناء ثقافتنا العربية والسورية أنفسهم، عندما أعتقد البعض منهم إننا كمجموعة أو منظمة نسائية نحرض النساء السوريات على التمرد على أزواجهن وصولاً للطلاق والانفصال وتدمير عائلاتهن. بكل تأكيد هذا ليس من أهداف أو خطة عمل منظمتنا. كما حاولنا الابتعاد تماماً عن تناول مثل هذه القضايا، باعتبار مجمل هذه المشاكل الأسرية جاءت بسبب اختلاف الثقافة والعادات الاجتماعية بين سوريا وأوروبا عموماً. أيضاً ضيق الوقت والسعي وراء تحقيق متطلبات الأسرة أو الدراسة والعمل الذي تفرضه طبيعة الحياة في النرويج، ساهم في تردد الكثير من النساء السوريات في الانتساب والمشاركة في المنظمة. مع بداية تأسيس منظمتنا تسبب عائق اللغة بصعوبة تقديمنا لأنفسنا بشكل صحيح، مما جعلنا نعتمد على بعض المنتسبات اللواتي يتقن اللغة الإنكليزية كحل بديل. بالمقابل وجدنا الكثير من الدعم والمساعدة من العديد من الشخصيات النرويجية واللاجئين مندمجين منذ سنوات طويلة من جنسيات مختلفة، ومكتب ال    IN  المعني بدعم ومساعدة اللاجئين. بالمقابل حاولنا كمجموعة مؤسسة للمنظمة الموازنة بين مسؤولياتنا الحياتية والعائلية من عمل ودراسة وغيرها لتخصيص الوقت لأنشطة منظمتنا.  

– كيف تم الإعداد لخطة العمل وجملة الأنشطة التي قامت بها منظمتكم خلال السنوات الأربع الماضية، وكيف تقيمين تفاعل المجتمع النرويجي وتقبله لها؟ وهل حققت منظمتكم بعضاً من أهدافها كمنظمة ناشئة؟

*- التقينا مع بعض الأصدقاء من أصحاب الخبرة، منهم من يعمل حتى اليوم في بلدية تروندهايم في مجال المنظمات الاجتماعية، قدموا لنا كل الدعم والنصائح مثل الهدف الرئيسي والخطة السنوية وغيرها. بداية أنشطتنا كانت جملة من الفعاليات دعينا لها عن طريق صفحة المنظمة على الفيسبوك. حضر العديد من النساء النرويجيات ومن جنسيات مختلفة، سرعان ما كونا معهن صداقات وعلاقات طيبة. هذا ما ساعد على انتشار اسم منظمتنا بين الأوساط الاجتماعية المختلفة في مدينة تروندهايم. أذكر هنا أن سيدة نرويجية شاركت في جميع أنشطة منظمتنا منذ انطلاقتها. حاولنا إيجاد حلول مرضية ومقبولة لجميع المشاركين في أنشطة فعاليات منظمتنا، مثلا أول ساعة من النشاط تكون للتحدث باللغة النرويجية، وبعدها حياكة للصوف مع تناول القهوة العربية وتناول الحلويات والأطعمة السورية والرقص الشرقي أو من أمريكا الجنوبية. بالمقابل شاركت الكثير من النساء من جنسيات عربية والعديد منهن منتسبات لمنظمات نسائية أخرى. ومن أهم الأنشطة التي لاقت قبولا وتفعلا ً هو دورة تعليمية للغة العربية قدمتها منظمتنا كهدية لجميع الأصدقاء النرويجيين الذين يعملون مع اللاجئين العرب، وصل عددهم إلى حاولي 40 مشتركاً بهدف توضيح مدى الفوارق بين اللغة العربية والنرويجية، ولتقديم بعض النصائح والمساعدة في فهم ونطق بعض الكلمات العربية لتسهيل التواصل وخلق الثقة والراحة مع اللاجئين العرب في مدارس تعلم اللغة النرويجية. اعتقد أننا حققنا الكثير من أهداف منظمتنا مع مرور أربعة سنوات على تأسيسها وهناك الكثير الكثير من الأهداف ولأحلام والطموحات الجديد التي تنتظر التحقق.

أسماء درباس خلال حفل تسليم الجائزة

-هل ساهمت منظمة (المرأة السورية للتنمية في تروندهايم) في خلق جسور تواصل ثقافية وإنسانية بين الثقافة العربية والسورية من جهة، والثقافة النرويجية من جهة أخرى لتحقيق اندماج إنساني حقيقي ضمن أنشطتها وفعاليتها المختلفة؟ 

*- أود بداية أن اذكر قصة مميزة جداً، ربما تلخص حالة التواصل الإنساني الذي حصل بين بعض أعضاء المنظمة وضيوفها من ثقافات مختلفة. تعرفت امرأة نرويجية على إحدى المشاركات بأنشطة منظمتنا من دولة المغرب العربي، وسرعان ما رافقتها في رحلة لزيارة أسرتها في المغرب. هناك العديد من القصص المميزة فعلاً حصلت معنا فيما يتعلق بموضوعة الاندماج، ساهمت بشكل أساسي في فتح العديد من الأبواب المغلقة وتشكيل شبكة واسعة من المعارف والعلاقات الإنسانية، التي ساعدتنا في تحقيق الكثير من النجاحات في التواصل مع الثقافات الأخرى بشكل عام، والثقافة والشعب النرويجي بشكل خاص. هذا ما أكده دعوة بلدية تروندهايم لمنظمتنا إلى (مجلس التنوع)، والذي يعتبر أحد الهيئات الشعبية المهمة في صناعة القرار وتحديد سياسة البلدية، كشكل من أشكال الديمقراطية الشعبية في المشاركة في صناعة القرار والخطة المستقبلية. من أهم القضايا التي طرحتها منظمتنا للنقاش في هذا المجلس، كان تعديل قانون الذي يجبر اللاجئ الذي يستأجر منزلاً من البلدية على الخروج وإيجاد منزل آخر بعد ثلاث سنوات، والصعوبات والعنصرية التي يتعرض لها لدى محاولته استئجار منزل خاص. أيضاً موضوعة تأمين عمل لجميع اللاجئين الذين يلتحقون بدورات تدريبية في أماكن عمل مختلفة، ودافعت منظمتنا عن فكرة هامة مفادها أنه من لم يستطع الحصول على عمل في نفس المكان الذي يخضع فيه لدورة تدريبية، من الصعب جداً أو ربما من المستحيل حصوله على عمل في مكان آخر.

– هل هناك توجه إلى توسيع نطاق عمل منظمتكم ليشمل النساء العربيات، أو حتى من نساء من خلفيات شرق أوسطية، نظراً لتشابه الثقافة وحياة الاجتماعية، ولزيادة عدد أعضاء المنظمة ونشاطاتها وفعاليتها؟ 

*- منذ بداية تأسيس منظمتنا أكدنا على خصوصية المرأة السورية، واعتبار مشروعنا الأساسي هو تقديم الصورة الصحيحة والواقعية لحقيقة وطبيعة وتميز المرأة السورية بالدرجة الأولى. هذا ما يبرر ربما قلة عدد النساء المنتسبات لمنظمتنا. لسنا ضد التعاون والتشارك مع نساء من كافة الثقافات أو الخليفات، لكن يبقى الحجر الأساس في إنشاء منظمتنا هو المرأة السورية. هناك توجه في المستقبل لتشمل منظمتنا جميع النساء السوريات في كافة المدن النرويجية. ربما هذا يحتاج إلى جهد كبير ومتابعة وتفرغ في العمل والتنظيم والإدارة، وهذا ما تفتقده منظمتنا في الوقت الحالي، ونسعى لتحقيقه في المستقبل.

– كيف تعاملت منظمتكم مع جائحة كورونا التي عطلت الحياة وما هي مجمل الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي عملتم عليها خلال الجائحة؟

*- كان لدى منظمتنا خطة لعام كامل لكن توقفت بشكل كامل بسبب جائحة الكورونا. حالة من الجمود أصابت كافة جوانب الحياة، ليس فقط أنشطة المنظمات الإنسانية والاجتماعية كما هو الحال مع منظمتنا، هذا ما دفعنا إلى محاولة إيجاد حلول بديلة للتجمعات والأنشطة والفعاليات البشرية، بشكل يتماشى مع القوانين الصحية الصارمة التي تحدد عدد معين للتجمعات لا يمكن تجاوزه. وجدنا الحل في الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي تسمح لنا بالمشاركة في العديد من الفعاليات والأنشطة من منازلنا. شارك أعضاء منظمتنا في مجمل الأنشطة والفعاليات على شبكة الانترنت بالمقابل وجدت دعواتنا لجملة فعالياتنا على صفحتنا على الفيسبوك تجاوباً كبيراً. من أهمها دورة لإعداد الطعام السوري، بشكل خاص الطعام النباتي. أيضاً وجدنا مساعدة كبيرة واستثنائية من مركز (TRONDHEIM DIALOGSENTER مركز تورندهايم للحوار) الذي لعب العاملون فيه دوراً كبيراً في إيصالنا مع منظمات وجمعيات أخرى، كما وجدنا لدى (راديو التنوع النرويجي) ترحيباً كبيراً في استضافة فعالياتنا على الفيسبوك مما ساعدنا على الانتشار وايصال رسالتنا التي قدمت توجيهات وارشادات صحية توعوية حول الوقاية من فيروس الكورونا وزيادة المناعة. هذا ما وجد تقبلا طيباً.

ما هي أهم عناصر النجاح التي ساعدت في حصولكم على جائزة (التنوع) التي تمنحها بلدية تروندهايم سنوياً؟

جاءت جائزة (التنوع) التي حصلت عليها مؤخراً من بلدية مدينة تروندهايم تتويجاً لجملة من الجهود التطوعية الكبيرة التي قدمتها منظمتنا خلال السنوات الأربع الماضية، وبشكل خاص العام الماضي في مواجهة جائحة الكورونا. أطلقت منظمتنا كورسات صحية توعوية على صفحتنا على الفيسبوك، هدفت بالدرجة الأولى إلى الوقاية من انتشار فيروس كورونا، وكيفية التعامل مع الإصابات في حال وقوعها. وجدت هذه الكورسات الصحية والمبادرة صدى طيب جدا لدى بلدية تروندهايم، حتى أن المسؤولين عن الجانب الصحي في بلدية تروندهايم تواصلوا مع رؤساء منظمات الجاليات الأخرى للتنسيق معهم وتحفيزهم على تقديم مبادرات مماثلة في المجال الصحي لأبناء جالياتهم. جائزة (التنوع) جاءت نتيجة جملة الطاقات والجهود التطوعية التي قدمتها منظمتنا على مدى السنوات الأربع الماضية، وبشكل خاص العام الماضي وتحديات جائحة الكورونا. تطمح منظمتنا للتوسع في المستقبل للوصول إلى كافة المدن والمناطق النرويجية، لتصبح (المرأة السورية للتنمية في النرويج) وليس فقط في مدينة تروندهايم، لكن هذا يتطلب الكثير من الجهد والعمل على كافة المستويات والجهات.


حاورها: يوحنا زرزر
صحفي فلسطيني سوري يقيم في النرويج. من أسرة دار يكتب في شؤون الثقافة والاندماج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *