كورونا والمهاجرين في النرويج

797


كيف تناولت وسائل الإعلام في النرويج قضية المهاجرين والعدوى خلال فترة الوباء؟

كتب المقال:
أسامة شاهين، كاتب في دار
.
ورد المقال في العدد الأول من مجلة دار

تصميم
Solin Molla Nasan

يؤثر الفيروس على الجميع في العالم دون أخذ الحدود والأعراق بعين الاعتبار، بما في ذلك اللاجئين وطالبي اللجوء والمجموعات العرقية المختلفة في المجتمع.

في الوقت الذي يقوم فيه وباء كوفيد-19 بالتخريب في كل أنحاء العالم، تواجه مجموعاتٌ محددة وصمة العار والتمييز نتيجة إلقاء اللوم عليها في نشر الفيروس.


 الماضي والحاضر

الادعاء بأن المهاجرين هم حاملين للأمراض ليس بالشيء الجديد، فهناك الكثير من الأمثلة التاريخية التي تم فيها إلقاء اللوم على مجموعات عرقية مختلفة لتحمل عبء الفيروس. هذا السلوك، وبغض النظر عن أنه أصبح اعتيادياً، غالباً ما يأتي بنتائجٍ عكسية، وذلك لحقيقة أن الأمراض نفسها لا تقوم بالتمييز بين الأكثرية والأقليات. في الواقع، فإن فيروس ككورونا ما هو إلا تذكير بأن الإنسانية هي تجربة مشتركة تتماثل في العديد من الجزئيات والتفاصيل.

تاريخياً وعلى سبيل المثال، الموت (الطاعون) الأسود، الذي غزا أوروبا عام 1348 وعاشت بسببه القارة الأوروبية أسوأ أيامها بعد أن قام الوباء بقتل ربع السكان في عدة سنوات قليلة. في ذلك الوقت ومع ارتفاع حصيلة الموتى قام بعض رجالات الدين، بالمحاولة للإعلان عن تفسير وإيجاد طريقة لإنهاء المرض ووقع اختيارهم على معاداة الساميّة، وذلك بسبب نجاة بعض المجتمعات اليهودية من الوباء. كانت المعرفة بالفيروسات والبكتيريا محدودة في ذلك الوقت، وتم الزعم بأن اليهود قد قاموا بتسميم الآبار، أو كما تم الادعاء من قِبَلِ أحد منظري المؤامرة بأن اليهود ” يريدون إطفاء وهج المسيحية، لذا يقومون بمزج سم الضفادع والعناكب بالطعام كالزيت والجبن”

وفي القرن التاسع عشر، تم اتهام المهاجرين الإيرلنديين بجلب الكوليرا إلى الولايات المتحدة، كما اُتّهِم الإيطاليون بشلل الأطفال واليهود بالسل. في القرن العشرين تم اتهام المهاجرين الصينيين بنشر الطاعون الدبلي(الدمّلي). وعندما تدفق اللاجئون من هايتي في الثمانينيات من القرن الماضي تم اتهامهم بجلب وباء الإيدز عندما تم إلقاء اللوم في انتشار المرض على الهايتيين والأفارقة. أما خلال الوباء الحاليّ، فإن هناك تقارير عديدة تصف كيف أن الأشخاص المنحدرين من أصلٍ آسيويّ يشعرون بنظرات الكراهية بسبب أن مدينة ووهان الصينية كانت المركز الأول للوباء.

عندما وصل فيروس كورونا إلى النرويج في عام 2020, سارع بعض اليمينيون إلى العثور على كبشِ فداءٍ. أما في إيطاليا، فقد قاد زعيم المعارضة اليمينية المتطرفة، ماتيو سالفيني، حملةً ضد الحكومة التي أرادت السماح لقارب يحمل 276 شخصاً إفريقياً ليرسو على شواطئ صقلية. وعلى الرغم من أن أوروبا كانت تتفوق على إفريقيا بعدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في ذلك الوقت، إلا أن سالفيني صوّر هذا العمل الإنساني كمبرر للوقوف ضد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، ودعاه إلى الانسحاب من الحكومة مُتّهماً إياه بعدم القدرة على ” الدفاع عن إيطاليا والإيطاليين”. لسنواتٍ عديدة، لم يؤدي وصول المهاجرين إلى السواحل الإيطالية بانتشار الأمراض على أراضي البلاد. على العكس، فقدَ العديد من المهاجرين أرواحهم بسبب افتقار الإرادة لإنقاذهم.

 الحكومةُ اليونانية بدورها استخدمت خطر الإصابة بفيروس كورونا كحجةٍ للمضيّ قدماً في خطتها المثيرة للجدل. تقوم الخطة على بناء معسكرات” مُغلقة” لطالبي اللجوء في جزيرتيّ ليسبوس وخيوس المحاصرتين نتيجة للسياسة الأوروبية المتبعة ضمن الاستجابة “الإنسانية” الأكثر كلفةً في التاريخ، والتي افتقرت لضمان ظروف معيشية تضمن أدنى مقومات الحياة. كنتيجة طبيعية وفي وقت لاحق من شهر أيلول من العام الحالي تسببت النيران في حرق مخيم موريا بالكامل، الأمر الذي ترك 13000 لاجئ بلا مأوى.

في الولايات المتحدة وفي نيسان، واجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقاداتٍ شديدة بسبب طريقة تعامل إدارته مع أزمة كورونا، ليصدر الرئيس الأميركي قراراً بإيقاف إصدار تأشيرات الدخول لمدة 60 يوماً، وذلك لمنع الهجرة إلى الولايات المتحدة. الإشارة إلى المهاجرين كحاملين للمرض والسياسيات المعادية لهم تهدف بشكلٍ واضح إلى كسب دعم مؤيدين ترامب في الحملة الانتخابية، الأمر ليس مستغرباً وذلك نظراً للتاريخ الطويل والقبيح لربط الأوبئة بالمهاجرين.

في النرويج، كان من المُقرر أن يصل 3015 طالب لجوء إلى البلاد وذلك وفقاً لاتفاقيات إعادة التوطين المُبرمة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ومع ذلك فقد وصل أقل من ثلث العدد المذكور. حيث ذكرت الحكومة النرويجية بأن” الوباء يقوم بتأخير العمل مع حصتها من اللاجئين”.

الخطاب حول الأقليات خلال وباء كورونا

لقد قام تطبيق تدابير “الإغلاق” لمكافحة الوباء بالكشف عن أوجه عدم المساواة الهيكلية الموجودة والقائمة على التمييز على أساس العرق والوضع الاقتصادي والاجتماعي. ففي بعض الحالات أدى تطبيق الإغلاق إلى مزيد من التهميش والوصم بالعار والعنف. هناك قلق بأن البعض من هذه التدابير المُطبقة كان لها تأثير غير متناسب على الأفراد والجماعات العرقية، والذين يعانون بالأصل من التنميط والتمييز والعنف بسبب عرقهم أو دينهم أو وضعهم كمهاجرين.

كما هو الحال في العديد من الأزمات الأُخرى، فقد يكون المهاجرين عرضةً بشكل خاص للآثار المباشرة والغير مباشرة لكوفيد-19. فقدرتهم على تجنّب العدوى وتلقي الرعاية الصحية الكافية والتعامل مع العواقب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية تتعلق بعدة عوامل، نذكر منها: ظروف معيشتهم وعملهم، عدم مراعاة السلطات لتنوّعهم الثقافي واللغوي، الكراهية للأجانب، المعرفة الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية المحدودة، بالإضافة إلى معرفتهم المحدودة لحقوقهم.

هنا في النرويج، أطلق معهد الصحة العامة FHI تقريراً في أوائل أبريل أشار فيه إلى أن الأشخاص المولودين خارج البلاد ممثلين بشكل أكبر بين المصابين في النرويج، وخاصةً الصوماليين. على الرغم من أن البعض ذهب مسرعاً لتأكيد السرد الذي مفاده بأن المهاجرين “هم المسؤولون” عن الوباء، لاحظ معهد أبحاث السلام في أوسلو PRIOأن أسباب التمثيل الزائد قد تكون:

1: عمل المهاجرين في “مهن التواصل القريب”

يعمل المهاجرون في مهن تتطلب التنقل، حيث أن المكتب المنزلي ليس خياراً متاحاً. يُظهر مسحاً للظروف المعيشية بين المهاجرين لعام 2018 أن المهاجرين يعملون فيما يمكن تسميته” مهن الاتصال أو التواصل القريب”. والتي تشمل مهناً كسائقي سيارة الأجرة وعمال النظافة ومساعدي وعمال المتاجر والعاملين في مجال الصحة.

2: الجغرافية السكانية للأقليات في أوسلو

في العاصمة أوسلو، ينحدر ما يقرب ثلث السكان من خلفية مهاجرة، وهذه النسبة أعلى بكثير من المعدل في البلاد والبالغ18.5%. أوسلو أكبر مدينة في البلاد، وكانت المدينة الأكثر تضرراً من حيث تكرار تفشي المرض وموجات العدوى خلال هذه الفترة. أغلب الحالات التي تم الكشف عنها مبكراً في أوسلو كانت حقيقة من غرب المدينة وهو القسم الأكثر ثراءً، وذلك على إثر الذهاب في عطلات تزلج إلى النمسا والذهاب في رحلات إلى إيطاليا.

3: التمايز الاجتماعي والاقتصادي

عندما نقوم بتتبع التفسيرات التي تناولت النرويجيين الصوماليين، والسويديين الصوماليين، فيما يتعلق بالتأثير غير المتناسب عليهم، فإنه من الصعب التغاضي عن مشكلة المساكن التي يقطنوها وأعداد القاطنين فيها. حيث أن وضعٍ كهذا لا يسمح بالحفاظ على المسافة المُوصّى بها والبالغة مترين، كما هو الحال بالنسبة للحد الأقصى للتجمعات والذي يجب ألا يتجاوز الخمسة أشخاص. وهو الأمر الذي يشكل عاملاً مهماً يدعم سبب معدلات الإصابة المرتفعة في الأحياء الشرقية من أوسلو، حيث يقطنها أناسٌ من مختلف الأعراق ولكنهم ذوي مستوى مادي أقل مما هو عليه الحال في الأحياء الغربية. الأمر الذي يدعم فكرة أن الفيروس يصيب الأحياء الأفقر والأكثر اكتظاظاً بغض النظر عن الأعراق الساكنة فيها.

سياسات شمولية فرضها كوفيد-19

أدركت بعض الحكومات الخيارات المهمة فيما يتعلق بكوفيد-19, والبعض منها سمح لمزيدٍ من المهاجرين بالعمل، خاصة في مجال الصناعات الرئيسية. فقد منحت البرتغال الحق بالعمل لأي شخص ينتظر دراسة طلب الهجرة الخاص به. كما قامت كولومبيا وتشيلي والأرجنتين بإصدار تصاريح عمل مسبقة لطالبي اللجوء من العاملين في المجال الصحي دون انتظار الموافقة على طلبات لجوئهم، وهو الأمر الذي يمنح المهاجرين فرصة المساهمة والمساعدة ويخفف من التحدي المتعلق في نقص الموظفين الذي عانت منه العديد من البلدان.

الموجة الثانية

منذ وقتٍ ليس ببعيد، في خِضمّ الموجة الثانية، أعلن معهد الصحة العامة النرويجي FHI أن نصف أولئك الموجودين في المستشفيات هم من أصول أجنبية. كما أن العديد من الصفحات الأولى للصحف النرويجية كانت تحمل عناويناً رئيسية حول ” عدوى المهاجرين” على أنه الأمر الذي يسبب القلق للسلطات النرويجية.

أتى ذلك بدلاً من المساعدة في نشر معلومات مهمة حول الفيروس، لتقوم بعض وسائل الإعلام بتغطية القضية من حيث الربط بين المهاجرين وانتشار الفيروس، وذلك من خلال استخدام عناوين مثيرة للجدل.

الآن يبدو أننا يجب أن نتعايش مع هذا الوباء لفترة طويلة، في أحسن الأحوال حتى شهر نيسان القادم وذلك في حال كان اللقاح مُتاحاً. لكن في نهاية الأمر ستقوم النرويج بفتح أبوابها كون أن هذا الوباء لن يستمر إلى الأبد. وسنعود لنعيش كما في السابق. لكن الآن، يجب أن نكون حذرين حتى لا تصبح قصة كورونا قصة استقصاءٍ وعجز تؤدي إلى زيادة التهميش في المجتمع.

Osama Shaheen
WRITEN BY

Osama Shaheen

أسامة شاهين: محرر في دار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *