أطالع نشرة الأحوال الجوية فترتسم على وجهي علامات دهشة، درجة الحرارة في دولة الكويت 53 درجة مئوية، في إيران والعراق كما في باقي دول الخليج تقارب ال50 درجة مئوية، وبالنسبة لي يبدو هذا الرقم مرعباً، وعندما أتخيل أنها فقط البداية، يزداد الرعب أضعافاً.
بالحديث عن الرعب، تخيل أن منطقة الشرق الأوسط تتعرض لأرتفاع في درجات الحرارة بمعدل أعلى من ضعف المعدل العالمي، فوفق تقرير مؤسسة ماكس بلانك الألمانية، ستكون منطقتنا خط المواجهة الأول(1)مع التغيرات المناخية، ويتوقع التقرير أن العديد من المدن في المنطقة قد تصبح غير صالحة للسكن مع نهاية هذا القرن إذا استمر وضع الحروب والنزاعات وضعف إجراءات مواجهة التغيرات المناخية.
إذا فمن الواضح أننا لا نحتاج لفتح الباب أو النظر من النافذة لمشاهدة آثار التغيرات المناخية، ففي منطقتنا، الآثار ملموسة بشكل لا تخطئه العيون، فلماذا لا تعيه العقول؟ هل هناك مشكلة في اللغة المستخدمة لتوصيل قضية التغيرات المناخية للعامة؟ هل هناك خلل في عرض وتبسيط قضية علمية مثل مرتبطة بالتنمية المستدامة وكيفية التكيف والتخفيف من آثار التغيرات المناخية؟ وهل كان على مقدم نشرة الأحوال الجوية أن لا يكتفي بالقول “أننا نشهد إرتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة هذا العام” ويؤكد أنها “بسبب التغيرات المناخية”؟
أنظر ماذا فعلت أنا نفسي! استخدمت ذات الكلمات التي يكررها الإعلام ويكرهها الجمهور لما تحويه من غموض، التنمية المستدامة، التكيف والتخفيف.
تبدأ المشكلة من الخبراء والباحثين لكنها لا تقتصر عليهم، فحسبما أوردت دراسة لقياس فهم العامة للمصطلحات شائعة الاستخدام الخاصة بالتغيرات المناخية، فخبراء البيئة لا يدركون أن الجمهور لا يدرك معنى ما يستخدمونه من ألفاظ، منها مثلا لفظ: تخفيف “Mitigation” الذي يستخدمه الخبراء في أحاديثهم الموجهة للعامة إعتقاداً منهم أنها واضحة ولا تحتاج لشرح، لكنها كلمة غامضة عند العديد من الأفراد.
على سبيل المثال ، خلط المشاركون في الدراسة بين كلمة “التخفيف” Mitigation ، التي تشير عمومًا إلى الجهود التي تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ، بكلمة “التوسط” mediation ، وهي طريقة لحل النزاعات.
توقفت قليلاً أمام ما طرحته الدراسة، فهل الأمر مشابه في العالم العربي؟ أجريت تجربة مبسطه وأرسلت لمجموعة على واتساب تضم عدداً من خبراء البيئة والجغرافيا العرب أتسائل، هل يقوم الباحثون بتوضيح مصطلحات مثل: تخفيف وتكيف عند الحديث عن التغيرات المناخية للعامة أو الطلبة؟ وكان الرد من أستاذ جامعي: مصطلحات تكيف وتخفيف سهلة الفهم، ولا تحتاج لتوضيح.
أحد أزمات التواصل في مسألة التغيرات المناخية التي أبرزت الدراسة هو اللغة المتخصصة المستخدمة في كتابة تقارير المناخ، وعلى رأسها التقارير الدورية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC الذي تتراوح عدد صفحاته 3900 صفحة.
يقوم الباحثون بإصدار نسخة مختصرة من التقرير لصناع القرار والمهتمين بقضايا المناخ، ولكن مع ذلك فقد رصد الباحثون العديد من الألفاظ المربكة والغامضة للجمهور وصناع القرار طبقاً للعينة البحثية التي شملتها الدراسة، ومنها: الحياد الكربوني، إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون، التنمية المستدامة، الصفر الكربوني، نقطة تحول، وغيرها.
الدراسة أكدت على أهمية “الإبتعاد التام عن المصطلحات العلمية المعقدة” أن يتم استخدام صياغة بسيطة بالإضافة إلى تقديم التفاصيل والأمثلة وتحسين فهم الجمهور ومشاركته في القضية.
الدراسة السابقة اعتمدت على عينة من الجمهور الأمريكي، فماذا عن منطقة الشرق الأوسط، هل هناك تعقيدات مختلفة تحول دون توصيل قضايا المناخ للعامة؟
الدراسة أكدت على أهمية “الإبتعاد التام عن المصطلحات العلمية المعقدة” أن يتم استخدام صياغة بسيطة بالإضافة إلى تقديم التفاصيل
لا توجد العديد من الدراسات التي ترصد قضية “توصيل التغيرات المناخية للجمهور ومدى فعاليته” ألا أنه في دراسة منشورة على موقع جامعة أكسفورد ، رأى الباحث ميكيل فوجل اسكجير أن النزاعات الاجتماعية والدينية طويلة الأمد في الشرق الأوسط دفعت بالتغير المناخي إلى أسفل جدول اهتمامات الرأي العام والتقارير الإخبارية في معظم الدول العربية.
أضافت الدراسة أن الدول العربية تشترك في كون نظام الإعلام فيها شبه سلطوي، وهو ما يبدو أنه يؤدي إلى تفاقم تهميش تسليط الضوء على قضايا التغيرات المناخية.
أما عن الموضوعات التي يتم تناولها واللغة المستخدمة في التقارير، فتذكر الدراسة أنه من أجل تجنب تجاوز الخطوط الحمراء التحريرية ، يلجأ الإعلام العربي إلى نسخ تقارير تغير المناخ في الغالب من وكالات الأنباء الدولية، فنجد أن التقارير المحلية نادرة لأنها قد تتطرق بسهولة إلى القضايا الحساسة المتعلقة بسوء إدارة الموارد الطبيعية على سبيل المثال.
“النزاعات الاجتماعية والدينية طويلة الأمد في الشرق الأوسط دفعت بالتغير المناخي إلى أسفل جدول اهتمامات الرأي العام والتقارير الإخبارية في معظم الدول العربية.”
ويرى الباحث اسكجير أن تغطية تغير المناخ في العالم العربي تعتمد على النمط التقليدي كترجمة أخبار أجنبية والتركيز على تغطية مفاوضات تغير المناخ الدولية وهو ما يجعل أهميتها محدودة لقراء المنطقة.
فيما يتأمل اسكجير أن تتسبب تكنولوجيا المعلومات الجديدة والتركيز المتزايد على زيادة الوعي بتغير المناخ في إيجاد قنوات بديلة للاتصال بشأن تغير المناخ في دول الشرق الأوسط والدول العربية.
أما أنا فمازلت أتأمل أن يتم توصيف ما تتعرض له المنطقة من ظواهر مناخية متطرفة وغير مسبوقة كالعواصف الرملية المتكررة، والفيضانات الشديدة، والجفاف الحاد وغيرها بأنها آثار التغيرات المناخية، أن تقود نشرات الأحوال الجوية محاولات رفع الوعي وتوصيل القضايا المناخية بما ترفعه من واقع يحدث في المنطقة، حينها قد يشعر المواطن العربي بمدى فداحة المشكلة.
أن يتحمل العلماء والمتخصصين مسؤولية توصيل قضايا المناخ للعامة، ويعتنون بإتاحة المعلومات بلغة ميسرة تفهمها الجدات قبل الأحفاد، لغة خالية من المصطلحات التقنية غير المفهومة التي تجعل الجمهور يقول : “إذاً هذا موضوع متخصص، وغير موجه لي”، لغة تطرح الحلول بجانب المشكلات، وتشجع الأفراد أن يكونوا جزء من الحل.