من صديق مقرّب لإسرائيل إلى داعم للفلسطينيين؟

7

كانت النرويج في السنوات التي تلت تأسيس إسرائيل واحدة من أقرب الحلفاء للدولة الجديدة، ولم يلقَ مصير الفلسطينيين أي اهتمام يُذكر؛ فقد كانوا في طي النسيان. لكن مع انتهاء حرب 1967، بدأت المواقف تتغير بشكل جذري. أصبحت إسرائيل قوة احتلال، بينما بقيت قضية اللاجئين الفلسطينيين دون أي حلول تُذكر. في تلك الفترة، تبنت منظمة التحرير الفلسطينية نهجًا أكثر مرونة، ودعت إلى حل الدولتين، مما أظهر استعدادها للتسوية.

رغم ذلك، تبنّت النرويج سياسة تعدّ من بين الأكثر تقييدًا في أوروبا الغربية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يُسمح للمنظمة بفتح مكتب إعلامي في البلاد إلا بعد سنوات طويلة، تحديداً في عام 1986. وجاءت أول زيارة رسمية نرويجية إلى منظمة التحرير الفلسطينية في تونس عام 1989، وهي خطوة مثّلت تحولًا تدريجيًا في العلاقات.

كان حزب العمال خلال ثمانينيات القرن الماضي القوة الدافعة وراء التوجه الجديد في السياسة النرويجية، التي اعتمدت على بناء الثقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، مع الإبقاء على العلاقة الوثيقة مع إسرائيل. وقد توّج هذا الدور في عام 1993، عندما قادت النرويج مفاوضات اتفاقية أوسلو. العلاقة المميزة بين النرويج وإسرائيل آنذاك ساعدت في جعلها وسيطًا مقبولًا، بينما أدركت منظمة التحرير أهمية وجود طرف مقرّب من إسرائيل لدعم جهودها.

في المقابل، بدأت النرويج تفقد تعاطفها السابق مع إسرائيل. وقد دفعها دور الوساطة إلى تبني سياسات محايدة، والامتناع عن اتخاذ مواقف علنية قد تكون غير مقبولة بالنسبة لإسرائيل. ولم يكن للنرويج دور قوي جديد في الصراع إلا خلال حرب غزة عام 2023، حيث تحركت بشكل فاعل على الصعيدين المحلي والدولي لإنهاء الحرب والعمل على استئناف المفاوضات بشأن حل الدولتين.

النص: Hilde Henriksen Waage

هيلده هينريكسن فوجه، أستاذة في التاريخ بجامعة أوسلو وباحثة في معهد أبحاث السلام (PRIO). قضت عقودًا من حياتها في دراسة دور النرويج في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية المجاورة، مع التركيز على أسباب الفشل في تحقيق السلام.

في عام 1948، تأسست دولة إسرائيل. دعمت النرويج بحماس وإخلاص الدولة اليهودية الجديدة. داخل حزب العمال والنقابات العمالية، كان يُنظر إلى إسرائيل كجنة اشتراكية جديدة تجسد الحلم الاشتراكي. الإعجاب والحماس تجاهها كانا أشبه بتحول ديني جماعي. لم تكن هناك اعتراضات أو حتى مواقف أكثر توازنًا تجاه هذه القضية. بالإضافة إلى ذلك، رأى المسيحيون في النرويج أن إنشاء إسرائيل هو تحقيق للنبوات التوراتية. كما شعر العديد من النرويجيين بالذنب تجاه اضطهاد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لذلك، أصبحت النرويج واحدة من أقرب الحلفاء لإسرائيل طوال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

ومع ذلك، كان هناك تجاهل شبه كامل في النرويج للجانب الفلسطيني من القضية. تأسيس دولة إسرائيل أدى إلى أزمة لجوء فلسطيني واسعة النطاق، حيث أُجبر حوالي 700,000 فلسطيني على الفرار أو التهجير من منازلهم في المناطق التي أصبحت تدريجيًا ذات أغلبية يهودية. لم يبقَ سوى حوالي 150,000 فلسطيني داخل المناطق التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية بحلول نهاية الحرب في يناير 1949. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف الفلسطينيون أنهم لم يصبحوا فقط لاجئين في الدول العربية المجاورة، بل كانوا أيضًا غير مرحب بهم هناك. في الوقت نفسه، أغلقت إسرائيل حدودها بشكل صارم، مما جعل من المستحيل على الفلسطينيين العودة إلى ديارهم.

كيف تعاملت النرويج مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين الكبرى هذه؟ لماذا لم تُظهر النرويج اهتمامًا كبيرًا بمصير الفلسطينيين؟ وكيف يمكن تفسير التغير الكبير في المواقف النرويجية، الذي أدى لاحقًا إلى انقلاب شبه كامل في سياساتها؟

اليوم، تُعتبر النرويج واحدة من أكثر الدول الأوروبية انتقادًا لإسرائيل. كما صرّح السفير الإسرائيلي في النرويج في 7 ديسمبر 2023: “النرويج تحتل المرتبة الأدنى بين الدول الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالدعم لإسرائيل”.

في 28 مايو 2024، خطت النرويج خطوة أخرى إلى الأمام وقررت الاعتراف بدولة فلسطين، وهي دولة لا تزال غير موجودة فعليًا. بحلول ذلك الوقت، كان 146 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة قد اتخذت نفس الخطوة. جاءت هذه الخطوة بعد شهور من الضغوط المتزايدة على الحكومة النرويجية من قبل الرأي العام النرويجي الذي طالب بموقف أكثر نشاطًا ودعمًا للقضية الفلسطينية. ترددت الحكومة النرويجية لفترة طويلة قبل اتخاذ هذا القرار، معتقدة أن الاعتراف بفلسطين بمفردها لن يحقق الكثير. لهذا السبب، اختارت الحكومة أن تعترف بفلسطين بالتزامن مع كل من إسبانيا وإيرلندا، على أمل أن تحذو دول أوروبية أخرى حذوها.

لكن يبقى السؤال: ماذا يعني هذا الاعتراف؟ هل يعني أن النرويج قد تخلت عن السياسة التي انتهجتها خلال الثلاثين عامًا الماضية؟ تلك السياسة التي تجنبت فيها انتقاد إسرائيل بشكل مباشر للحفاظ على علاقاتها مع الطرف الأقوى في النزاع. فهل أصبحت النرويج الآن تتبع سياسة جديدة تمامًا؟

معظم الأبحاث المتعلقة بالسياسة النرويجية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تم إجراؤها من خلال أعمالي البحثية التي امتدت على مدى سنوات طويلة. في عام 1989، نشرت كتابًا بعنوان “عندما تأسست دولة إسرائيل: قضية خلافية في السياسة النرويجية 1945–1949″، وهو كتاب تناول الجدل السياسي في النرويج خلال فترة تأسيس إسرائيل. في عام 1996، صدر كتابي الثاني بعنوان “النرويج – أفضل صديق لإسرائيل”، وهو في الأساس أطروحتي للدكتوراه في التاريخ، ويتناول تطور السياسة النرويجية في خمسينيات القرن الماضي.

تناولت أعمالي اللاحقة دور النرويج في عملية أوسلو. كتاب “هل يحتاج أحد إلى النرويجيين؟” يناقش الجوانب التاريخية الطويلة التي جعلت من النرويج جزءًا مهمًا من عملية السلام في الشرق الأوسط في بداياتها. أما كتاب “صنع السلام عمل محفوف بالمخاطر”، فهو يناقش الدور النرويجي خلال المفاوضات، وقد أثار جدلاً كبيرًا لأنه تحدى الروايات السائدة حول الدور الذي لعبته النرويج في عملية أوسلو.

كل هذه الأعمال، بالإضافة إلى العديد من المقالات النرويجية والدولية حول السياسة النرويجية تجاه النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، استندت إلى أبحاث معمقة في الأرشيفات النرويجية والدولية، وإلى مقابلات، ومقالات صحفية، وأفلام وثائقية، ومصادر أخرى.

تستند هذه المقالة إلى جميع هذه الأبحاث، وتتناول الخطوط التاريخية الطويلة التي تمتد حتى يومنا هذا.

مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والأسماك من النرويج

بينما كانت الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية المجاورة مستمرة في عامي 1948–1949، وجدت النرويج نفسها مضطرة للتعامل مع جميع المشكلات الإنسانية التي نجمت عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين. في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى محنة الفلسطينيين على أنها مشكلة إنسانية بحتة، ولم يتم التركيز على الجانب السياسي منها إلا بعد عقود طويلة. ومع ذلك، كان واضحًا بالفعل في عام 1948 أنه لا يوجد أي احتمال لعودة الفلسطينيين إلى منازلهم التي أصبحت جزءًا من إسرائيل. كما كان واضحًا أن الدول العربية لم تكن قادرة على تحمل عبء هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين، مما جعل اللاجئين معتمدين كليًا على المساعدات الخارجية، وخاصة من الأمم المتحدة.



كان فولكه بيرنادوت، النبيل السويدي وعضو العائلة المالكة السويدية، شخصية معروفة لدى النرويجيين لدوره الإنساني في إنقاذ السجناء النرويجيين والدنماركيين من معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية عبر “الحافلات البيضاء”. في عام 1948، تم تعيينه كوسيط للأمم المتحدة في قضية فلسطين، وكان شديد الحرص على حل أزمة اللاجئين الفلسطينيين. ضغط بيرنادوت على النرويج وغيرها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لهؤلاء اللاجئين، ولم تجد النرويج صعوبة في الاستجابة لضغوطه نظرًا لاحترامها لدوره الإنساني.



قررت الحكومة النرويجية أن تقدم مساعدتها عبر إرسال الأسماك إلى اللاجئين الفلسطينيين. كانت هذه المساعدات تخدم أيضًا مصلحة النرويج الاقتصادية، حيث لم تكن الأموال المخصصة للمساعدات تخرج من البلاد؛ إذ اشترت الحكومة الأسماك من السوق المحلية، مما أدى إلى دعم قطاع الصيد الذي كان يعاني من فائض في الإنتاج. وهكذا، تمكّنت النرويج من تقديم مساعدتها الإنسانية بطريقة تدعم اقتصادها المحلي في الوقت نفسه.

لكن هذه الأسماك لم تلقَ قبولًا لدى اللاجئين الفلسطينيين. لم تكن مناسبة لاحتياجاتهم الغذائية، ما جعلها غير مرغوبة. بالنسبة للأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرهما من المنظمات الإنسانية، كان إرسال النرويج، وغيرها من الدول، لمنتجات فائضة عن حاجتها يمثل تحديًا كبيرًا. كانت هذه المساعدات تُرسل دون مراعاة لملاءمتها أو قابليتها للتوزيع في الشرق الأوسط. في بعض الحالات، وصلت شحنات من النرويج تحتوي على أسماك فاسدة، مما أثار استياء العاملين في مجال الإغاثة ودفعهم إلى انتقاد هذا النهج.

كانت هذه التجربة واحدة من الأمثلة المبكرة على تعامل النرويج مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث غلبت الأولويات المحلية على مراعاة الاحتياجات الحقيقية للفلسطينيين.

اشتكى كل من الأمم المتحدة والصليب الأحمر من نوعية المساعدات النرويجية، لكن ذلك لم يثمر عن أي تغيير. لم تُعر وزارة الخارجية النرويجية في أوسلو الكثير من الاهتمام لهذه الانتقادات، ولم تأخذ في الاعتبار احتياجات العاملين في مجال الإغاثة. الأسماك التي أرسلتها النرويج لم تكن على قائمة الأولويات التي يحتاجها اللاجئون، بل كانت غير مرغوبة لدى الفلسطينيين بسبب محتواها المنخفض من السعرات الحرارية، مما جعلها غير كافية إلا كمكملات غذائية. ومع ذلك، واجهت هذه الانتقادات آذانًا صماء. حتى الطلبات المتكررة من الأمم المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة لزيادة حجم المساعدات لم تلقَ أي استجابة، حيث استمرت النرويج بإرسال الأسماك فقط، التي كانت تُشترى محليًا ثم تُشحن إلى الشرق الأوسط باستخدام السفن النرويجية طوال الأربعينيات والخمسينيات.

كان هذا التجاهل لاحتياجات الفلسطينيين مرتبطًا بالدعم الكبير الذي قدمته النرويج لإسرائيل. غياب المساعدات الإنسانية المناسبة للفلسطينيين كان مجرد جانب واحد من المشكلة. في الواقع، كانت القواعد التي تنطبق على الفلسطينيين مختلفة تمامًا عن تلك التي تنطبق على إسرائيل. فعلى سبيل المثال، طلبت المنظمات الإنسانية العاملة مع الفلسطينيين مواد خشبية من النرويج، لكنها لم تحصل على شيء بسبب القيود الشديدة على تصدير الأخشاب التي كانت تُستخدم لإعادة بناء شمال النرويج بعد الحرب العالمية الثانية.

على النقيض من ذلك، قدم حزب العمال النرويجي دعمًا كبيرًا لإسرائيل، حيث ساهم في بناء مستوطنة كاملة مرتين: الأولى دُمرت بسبب حريق أثناء النقل، والثانية أُعيد بناؤها باستخدام الأخشاب النرويجية.

عكست المواقف النرويجية تجاه الجانب السياسي للقضية الفلسطينية نفس الانحياز الكبير لصالح إسرائيل. لم تُعتبر إسرائيل مسؤولة عن تهجير الفلسطينيين أو نزوحهم. بدلاً من ذلك، اعتُبر أن الدول العربية هي التي يجب أن تتحمل وحدها مسؤولية حل أزمة اللاجئين. كانت إسرائيل تُبني كدولة اشتراكية جديدة، وكان يُنظر إلى دعم هذا المشروع على أنه أولوية يجب أن تحظى بالأولوية المطلقة. أما الفلسطينيون الذين بقوا داخل إسرائيل، فقد صُوّر أنهم يعيشون في ظروف جيدة للغاية ويحصلون على معاملة “رائعة”، بينما أولئك الذين هُجّروا، فكان يُعتقد أن عليهم الاندماج في الدول العربية المجاورة بين من وصفهم زعيم حزب العمال النرويجي، مارتن ترانميل، بـ”أقربائهم القبليين”. لم يكن هناك في النرويج أي أصوات تدعو إلى الضغط على إسرائيل لإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

خلال زيارة قام بها هاكون لي، سكرتير حزب العمال النرويجي، إلى قطاع غزة في ديسمبر 1956، صرّح بأن الفلسطينيين يعيشون في غزة بلا عمل ولا أمل لأن مصر أرادت أن يبقوا في هذا الوضع. وأضاف قائلاً: “كان اللاجئون يُستخدمون كديناميت سياسي لضمان بقاء الحدود مع إسرائيل ملتهبة بالدماء.” وأكد أن مصر يجب ألا تُمنح السيطرة على قطاع غزة، قائلاً: “إذا حدث ذلك، فلن تُحل مشكلة اللاجئين أبدًا، وسيصبح غزة مرة أخرى قاعدة للتخريب والقتل، حيث يُخترق الإسرائيليون ليلة بعد ليلة.”

النرويج تكتشف الفلسطينيين

أدت حرب عام 1967 إلى تغييرات بطيئة ولكن تدريجية في المواقف النرويجية تجاه الصراع. بعد الحرب، أصبحت إسرائيل تحتل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، والضفة الغربية والقدس الشرقية بجميع مواقعها الدينية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا. في غضون ستة أيام فقط، سيطرت إسرائيل على أراضٍ تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف ونصف حجمها السابق. في ذلك الوقت، أظهرت استطلاعات الرأي أن 94% من النرويجيين كانوا يدعمون إسرائيل.

بدأ الشباب النرويجيون، خاصة في أوساط اليسار، يطرحون أسئلة حول الصراع: من هو الطرف القوي؟ ومن هو الطرف الضعيف؟ ومع ذلك، ظلت قيادة حزب العمال النرويجي مخلصة لإسرائيل. لكن التغير بدأ يظهر، حيث بدأت أجيال شابة تتولى مناصب قيادية داخل الحزب. خلال عامي 1970 و1971، أصدر اتحاد شباب حزب العمال (AUF) عدة قرارات داعمة للفلسطينيين. في فبراير 1971، أيد الاتحاد هدف منظمة التحرير الفلسطينية بتحويل إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة ديمقراطية جديدة تكفل حقوقًا متساوية للجميع، وهو موقف أحدث صدمة كبيرة داخل حزب العمال.

عندما اندلعت الحرب في الشرق الأوسط عام 1973، بقيت القيادة القديمة في حزب العمال مسيطرة على المشهد، واستمرت النرويج في تقديم دعم قوي لإسرائيل خلال الحرب. كانت إسرائيل تفقد حلفاءها، وفق ما أبلغت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، جولدا مائير، صديقها القديم هاكون لي، في حديثها الذي يعكس تراجع الدعم الدولي. ورغم ذلك، بقي حزب العمال النرويجي من بين الداعمين القلائل لإسرائيل.

مع دخول السبعينيات، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية تظهر استعدادًا أكبر للتسوية، حيث طرحت على أجندتها السياسية حل الدولتين. وفي نوفمبر 1974، دعت عدة دول إلى السماح لياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير، بإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وافق وزير الخارجية النرويجي، كنوت فريدينلند، على هذا الطلب، دون أن يدرك حجم الجدل الذي سيُثيره في النرويج.

هاكون لي، الذي كان يتمتع بدعم كبير داخل حزب العمال، وصف القرار بأنه غير مقبول، قائلاً: “الحكومة النرويجية، وحزب العمال النرويجي، والشعب النرويجي لم يقفوا أبدًا على الحياد تجاه مثل هذا البربرية، ولم يقبلوا أبدًا أن تكون المنظمات الإرهابية قادرة على فرض نفسها داخل الأمم المتحدة.” وقد تعرض وزير الخارجية لضغوط شديدة كادت تُنهي مسيرته السياسية، حيث عارضته غالبية البرلمان بشدة في الحملة التي أعقبت ذلك القرار.

قلل وزير الخارجية النرويجي، كنوت فريدينلند، من قوة الدعم الذي كانت إسرائيل لا تزال تحظى به في النرويج. وكانت نتيجة التصويت في البرلمان هزيمة سياسية كبيرة له. أحد الأسباب الرئيسية لهذا الإخفاق كان الدور الفعّال لمنظمة “أصدقاء إسرائيل” البرلمانية. في بداياتها، كانت المنظمة تضم 83 من أصل 150 نائبًا في البرلمان النرويجي. عملت المنظمة بالتعاون الوثيق مع السفارة الإسرائيلية في أوسلو، وقادت حملة قوية ضد موقف فريدينلند.

في ذلك الوقت، وقع 200 من السياسيين البارزين، بمن فيهم وزير الخارجية المستقبلي يوهان يورغن هولست، عريضة تدعم إسرائيل. هولست، الذي لعب لاحقًا دورًا حاسمًا في مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993، كان في عام 1974 جزءًا من الجهود التي دعمت الموقف المؤيد لإسرائيل.

أظهرت هذه الحملة كيف أن البرلمان النرويجي كان معقلًا قويًا للسياسة المؤيدة لإسرائيل. وعندما صوّتت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في نوفمبر 1974 لمنح منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة، كانت النرويج واحدة من ثماني دول فقط صوتت ضد القرار، بينما أيده 89 بلدًا. وجدت النرويج نفسها في موقف غريب، وظهرت كواحدة من أكثر الدول المؤيدة لإسرائيل في العالم.

رغم هذا، بدأت المواقف داخل النرويج تتغير تدريجيًا، حيث أصبحت الانتقادات تجاه إسرائيل أكثر وضوحًا، وزاد التعاطف مع القضية الفلسطينية. هذا التغير ظهر بوضوح في تقلص عضوية منظمة “أصدقاء إسرائيل” البرلمانية. ففي عام 1981، كان 100 من أصل 155 نائبًا في البرلمان أعضاءً في المنظمة، ولكن خلال الفترة 2009-2013، انخفض العدد إلى 36 عضوًا، وفي الفترة 2021-2025، بقي فقط ثمانية أعضاء.

هذا التحول كان مدفوعًا بعوامل عديدة، أهمها تغير الوضع في الشرق الأوسط. لم تعد إسرائيل تُرى كطرف ضعيف أو مهدد كما في السابق، ولم يعد الفلسطينيون والدول العربية يُصوَّرون كعدوانيين أو إرهابيين كما كانوا يُقدمون سابقًا.

في يناير 1977، قام وفد موسّع من لجنة الشؤون الخارجية والدستورية في البرلمان النرويجي بجولة في الشرق الأوسط للمرة الأولى. كانت هذه الرحلة لحظة فارقة لكثير من السياسيين النرويجيين الذين شاركوا فيها، بما في ذلك رئيس الوزراء المستقبلي وزعيم حزب المحافظين، كاره فيلوك.

أثناء زيارة الوفد إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين خارج العاصمة الأردنية عمّان، عبّر تور أوفتيدال، رئيس الوفد وعضو حزب العمال، عن استيائه الشديد مما شاهده قائلاً: “لا يمكن لأي إنسان أو أمة أن تقبل هذا النوع من الإذلال الذي رأيناه هنا اليوم.”

كان من بين العوامل التي أسهمت في تغيير المواقف النرويجية تجاه القضية الفلسطينية، مشاركة النرويج في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل). لعب هذا الدور تأثيرًا كبيرًا على تغيير نظرة العديد من النرويجيين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ذهب معظم الجنود والضباط النرويجيين إلى لبنان وهم يحملون مواقف مؤيدة لإسرائيل، تتماشى مع السائد في المجتمع النرويجي آنذاك. لكن تجربتهم على الأرض غيّرت وجهات نظرهم بالكامل. فقد كانت الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1978، ثم مرة أخرى في عام 1982 وبشكل أكثر عنفًا، بمثابة صدمة للعديد من النرويجيين الذين شهدوا هذه الأحداث.

هذه العمليات العسكرية، التي خلفت وراءها دمارًا هائلًا وأعدادًا كبيرة من اللاجئين، دفعت الكثير من الجنود النرويجيين إلى فقدان تعاطفهم مع إسرائيل. بدلاً من ذلك، نما لديهم تعاطف عميق مع الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين ومع مئات الآلاف من اللبنانيين الذين أُجبروا على النزوح بسبب الغزو.

نتيجة للالتزام النرويجي في قوات يونيفيل، أصبح الجيش النرويجي والسياسيون النرويجيون على حد سواء بحاجة إلى بناء علاقات جيدة مع السلطات اللبنانية، وبشكل خاص مع منظمة التحرير الفلسطينية. كان هذا ضروريًا لضمان سلامة الضباط والجنود النرويجيين العاملين في جنوب لبنان المضطرب.

تم إنشاء قنوات اتصال مباشرة بين النرويج ومنظمة التحرير الفلسطينية، شملت ياسر عرفات، رئيس المنظمة، ومستشاريه المقربين. كان الملحق الدبلوماسي النرويجي، هانس ويلهلم لونغفا، شخصية محورية في بناء هذه العلاقات الجديدة.

إلى جانب الجيش، كانت هناك أيضًا العديد من المنظمات النرويجية غير الحكومية التي عملت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. لعبت هذه المنظمات دورًا في توثيق العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، مما أسهم في خلق جسور من التفاهم.

ورغم هذه العلاقات المتزايدة، بقي الاعتراف الرسمي بمنظمة التحرير الفلسطينية خارج السياسات النرويجية في ذلك الوقت. كان هذا القرار يُعتبر سابقًا لأوانه، واستمر لفترة طويلة كسياسة غير مطروحة للنقاش. كانت العلاقة مع منظمة التحرير محصورة في النطاق العملي لضمان الأمن والتعاون، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى الاعتراف الرسمي الكامل.

اعتراف النرويج بمنظمة التحرير الفلسطينية

اتبعت النرويج سياسة صارمة تجاه منظمة التحرير الفلسطينية، مما أدى إلى عزلتها عن باقي الدول الأوروبية. فقد كانت النرويج من بين الدول الأكثر تحفظًا في تعاملها مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال المنتديات الدولية. في تلك الفترة، التقى أصدقاء حزب العمال النرويجي من الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية بقيادة منظمة التحرير، بما في ذلك ياسر عرفات، الذي كان يُنظر إليه في النرويج على نطاق واسع باعتباره رمزًا للإرهاب.

بحلول بداية الثمانينيات، كانت النرويج تعتمد السياسة الأكثر تقييدًا تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بين جميع دول أوروبا الغربية. ظل هذا الموقف يثير جدلاً داخليًا كبيرًا، إذ كانت هناك معارضة قوية مستمرة لدعم إسرائيل بلا تحفظ، مما أبقى النقاش حول منظمة التحرير في إطار حساس للغاية.

في عام 1981، تولت حكومة بورجوازية جديدة بقيادة كاره فيلوك من حزب المحافظين. ومع أن بعض السياسيين النرويجيين بدأوا في إقامة اتصالات غير رسمية مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن السياسة الرسمية لم تتغير: لم يكن هناك أي اعتراف بمنظمة التحرير على الطاولة.

حتى داخل الحكومة، كانت الآراء منقسمة. على الرغم من الانفتاح المحدود لبعض الأطراف، بقي الدعم القوي لإسرائيل داخل البرلمان والحكومة عائقًا أمام أي تغيير. انضم كل من الحزب المسيحي الديمقراطي وحزب الوسط إلى الحكومة في عام 1983، مما عزز الموقف المؤيد لإسرائيل داخل الائتلاف الحاكم.

على سبيل المثال، كان كاره كريستيانسن، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، من أشد مؤيدي إسرائيل، إلى حد أن فيلوك رفض ترشيحه لمنصب وزير الخارجية خلال المفاوضات الحكومية.

في أوائل الثمانينيات، تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية بطلب لفتح مكتب إعلامي في النرويج. كانت مثل هذه المكاتب قد أُنشئت بالفعل في عدة دول أوروبية، وبعضها كان يتمتع بوضع دبلوماسي. في البداية، أظهرت الحكومة النرويجية موقفًا إيجابيًا تجاه الفكرة، وأبلغت وزارة الخارجية منظمة التحرير في فبراير 1981 أن المكتب يمكن إنشاؤه، بشرط ألا يكون له وضع دبلوماسي.

كانت منظمة التحرير تدرك حساسية الموقف النرويجي ودعمه القوي لإسرائيل، لذا اختارت التحرك بحذر. ومع ذلك، لم يتم متابعة القضية حتى أكتوبر 1984. عندما وصلت القضية إلى الحكومة، تبين أن الحزب المسيحي الديمقراطي وأعضاء من حزب المحافظين، بمن فيهم رئيس الوزراء نفسه، عارضوا الفكرة بشدة.

استندت الحكومة إلى تحذيرات من أجهزة الاستخبارات، التي أشارت إلى أن بعض هذه المكاتب الإعلامية في دول أخرى قد تورطت في أنشطة مرتبطة بالإرهاب. وبناءً على ذلك، قررت الحكومة في يناير 1985 بالإجماع رفض منح تصاريح الإقامة والعمل لممثل منظمة التحرير المخطط له، عبد الرحمن العلاوي، على الرغم من أنه لم تكن هناك أي أدلة تدينه. ونتيجة لذلك، لم يتم إنشاء المكتب في تلك المرحلة.

وفقًا لاستطلاع رأي أُجري في ذلك الوقت، كان 18% فقط من النرويجيين يؤيدون فكرة إنشاء مكتب لمنظمة التحرير في البلاد، بينما عارضها 45%، و37% كانوا إما غير متأكدين أو لم يكونوا لديهم رأي واضح.

لم يتم افتتاح المكتب الإعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية في النرويج إلا في خريف عام 1986. كان المكتب بقيادة عمر كتميتو، وهو مواطن نرويجي من أصل فلسطيني. كانت النرويج واحدة من آخر الدول الأوروبية التي سمحت بإنشاء مكتب إعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

الدور الحيوي لحزب العمال النرويجي

كان حزب العمال النرويجي القوة الدافعة وراء تغيير العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية. استلهم الحزب مساره من أحزاب اشتراكية ديمقراطية أوروبية أخرى، مثل الأحزاب في السويد والنمسا، التي كانت قد سبقت النرويج في بناء علاقات مع منظمة التحرير. في عام 1980، أقر حزب العمال مطلبًا يدعو إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين، وفي مؤتمر الحزب لعام 1981، تقرر تعميق الاتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية.

لعب هانس ويلهلم لونغفا، الملحق الدبلوماسي النرويجي، دورًا مهمًا في هذا التوجه. كانت علاقته الوثيقة مع ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير، حجر الأساس في جهود الحزب لتطبيع العلاقات مع المنظمة. هذه الجهود أصبحت لاحقًا قاعدة لدور النرويج في عملية أوسلو.

أثرت الثورة الإيرانية في عام 1979 بشكل غير مباشر على العلاقة بين النرويج ومنظمة التحرير. بعد الثورة، فقدت إسرائيل أهم مورديها للنفط، مما دفع الولايات المتحدة إلى مطالبة النرويج بتقديم ضمانات نفطية لإسرائيل. كانت النرويج قد بدأت للتو استخراج النفط من بحر الشمال، ووجدت وزارة الخارجية والحكومة النرويجية نفسها في مواجهة معضلات معقدة.

تواصل لونغفا مع عرفات لبحث موقفه من الطلب الأمريكي. فاجأ عرفات الجميع عندما اعتبر الضمان النفطي لإسرائيل أمرًا غير مقلق، إذ كان يرى أن إسرائيل ستحصل على النفط الذي تحتاجه بغض النظر. لكنه طلب في المقابل أن تُستخدم النرويج كقناة سرية للتواصل مع إسرائيل، حيث كانت الأخيرة ترفض الحوار المباشر مع منظمة التحرير. أبدى وزير الخارجية النرويجي، كنوت فريدينلند، حماسه للفكرة.

أصبح اقتراح عرفات استخدام النرويج كقناة سرية للتواصل مع إسرائيل موضوعًا يُناقش بشكل متكرر خلال الثمانينيات. رغم ذلك، لم تسفر النقاشات عن تقدم ملموس، إذ كانت إسرائيل ترفض بشكل قاطع فتح أي حوار مع منظمة التحرير.

على الرغم من هذا الجمود، استمر حزب العمال النرويجي في العمل على فكرة دور النرويج كجسر في الشرق الأوسط. زار العديد من أعضاء الحزب البارزين عرفات، وكان من بينهم ريولف ستين وكنوت فريدينلند وثورفالد شتولتنبرغ، الذين قضوا ليلة رأس السنة لعام 1982 مع عرفات. بذل شتولتنبرغ جهدًا كبيرًا لتعزيز مسار السلام، لكنه لم يحقق نجاحًا، إذ رفضت إسرائيل الاستماع إلى أي رسائل سلام حملها من عرفات.

في يناير 1989، أصبح ثورفالد شتولتنبرغ أول وزير خارجية نرويجي يقوم بزيارة رسمية إلى ياسر عرفات في تونس. خلال هذه الزيارة، وُضعت خطة لعملية السلام المستقبلية، كانت مشابهة إلى حد كبير للنهج الذي اعتمد لاحقًا في قناة أوسلو السرية عام 1993. طلب عرفات من شتولتنبرغ أن ينقل هذه الخطة إلى الحكومة الإسرائيلية.

في مارس 1989، زار شتولتنبرغ القدس حاملاً رسالة سلام من عرفات، لكنه واجه رفضًا تامًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق شامير ووزير الدفاع موشيه آرنز، وكلاهما من حزب الليكود. لم يُبدِ أي منهما استعدادًا للاستماع إلى مبادرة السلام التي قدمها شتولتنبرغ نيابة عن عرفات، مما اضطره إلى التخلي عن خططه مؤقتًا.

دور النرويج في عملية أوسلو

رغم التحديات، أثمرت جهود حزب العمال النرويجي وثورفالد شتولتنبرغ لتحقيق حل سلمي للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. ففي 13 سبتمبر 1993، تم توقيع اتفاقية أوسلو، التي كانت النرويج قد تفاوضت عليها في السر. كان النهج المتبع مشابهًا للخطط التي وضعها شتولتنبرغ وعرفات في تونس عام 1989. ساهمت العلاقة الوثيقة بين حزب العمال النرويجي وحزب العمل الإسرائيلي في جعل النرويج وسيطًا مقبولًا للحكومة الإسرائيلية التي تشكلت عام 1992.

في العلن، قدم الوسطاء النرويجيون أنفسهم على أنهم جسر متوازن يقف على مسافة متساوية من الطرفين. لكن هذا لم يكن صحيحًا تمامًا. فالنرويج كانت خلال فترة ما بعد الحرب واحدة من أقرب حلفاء إسرائيل. أما العلاقة مع الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية فكانت حديثة النشأة. في الواقع، كانت النرويج قد اتبعت سياسة صارمة تجاه منظمة التحرير لفترة طويلة، وكانت واحدة من الدول الأوروبية الأخيرة التي اعترفت بها. وربما كان هذا السبب في قبول إسرائيل بالنرويج كوسيط.

خلال مفاوضات أوسلو، لم يكن الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، في موقع متساوٍ، ولم يعاملهما الوسطاء النرويجيون بشكل متساوٍ. كان تيريه رود-لارسن، مونا يول، ووزير الخارجية يوهان يورغن هولست هم الشخصيات الرئيسية التي قادت جهود السلام. في التفاصيل الشكلية مثل الطعام والإقامة، بدا أن الطرفين عوملا بالتساوي، لكن هذا التوازن السطحي لم يعكس الواقع.

على الأرض، كانت إسرائيل الطرف الأقوى بوضوح، حيث سيطرت على جميع الأراضي الفلسطينية التي كانت قيد التفاوض. كانت إسرائيل الطرف الذي يجب إقناعه بإعادة بعض هذه الأراضي، لكن إسرائيل لم تكن لديها رغبة حقيقية في تقديم تنازلات.

أدى هذا الواقع إلى أن إسرائيل كانت الطرف الذي يضع القواعد، والنرويج اضطرت إلى العمل ضمن هذه القواعد. لم يكن بإمكان الوسطاء النرويجيين تغيير هذا الاختلال في ميزان القوى. كانوا أمام خيارين: إما متابعة العمل لإيجاد اتفاق ضمن هذه الشروط، أو الانسحاب من العملية بالكامل. اختارت النرويج البقاء.

تركز الدور النرويجي في الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية للتخلي عن المواقف التي اعتبرتها إسرائيل غير مقبولة، ودفعها إلى قبول الشروط الإسرائيلية. من جانبها، كانت منظمة التحرير وياسر عرفات يدركان ضعفهما، وقبلا بالمفاوضات وفق قواعد إسرائيلية لضمان البقاء في اللعبة السياسية، بدلًا من استمرار العزلة في تونس.

يمكن القول إن النرويج فاوضت اتفاقية أوسلو بناءً على شروط إسرائيل، وكانت مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة للحفاظ على دورها كوسيط. لم يكن ذلك بسبب دعم مطلق لإسرائيل كما كان في الماضي، بل نتيجة واقع موازين القوى في الصراع. كانت النرويج ترغب بشدة في لعب دور في عملية السلام، حتى لو تطلب ذلك تنازلات كبيرة.

استمرت هذه السياسة النرويجية في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، حيث بقيت النرويج ملتزمة بالعمل ضمن إطار يدعمه الطرف الأقوى، إسرائيل.

الاستثناء – سياسة نرويجية ناشطة

على الرغم من الآمال الكبيرة التي علقتها النرويج على جهودها في الشرق الأوسط، فقد سارت التطورات على الأرض في اتجاه معاكس تمامًا لما كانت تأمله. مع مرور الوقت، أصبحت احتمالات التوصل إلى حل سلمي أبعد من أي وقت مضى. كانت التطورات الميدانية تتسم بالانقسام وانعدام الثقة، حيث هيمنت العنف والصراعات على المشهد. في ظل هذا الوضع، تراجعت القوى المعتدلة والمستعدة للتسوية، سواء بين الإسرائيليين أو الفلسطينيين.

على الرغم من الصعوبات، واصلت النرويج جهودها لتحقيق السلام. قادت النرويج المجموعة الدولية للمانحين للفلسطينيين (AHLC)، حيث عملت بجد لإلزام المانحين الدوليين بالإيفاء بالتزاماتهم المالية، فضلاً عن تشجيعهم على تقديم مساعدات جديدة. قدمت النرويج بنفسها مساعدات مالية كبيرة للسلطة الفلسطينية وساهمت بفعالية في بناء المؤسسات في الأراضي الفلسطينية.

بذلت النرويج قصارى جهدها للحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف: إسرائيل، الولايات المتحدة، والفلسطينيين. ومع ذلك، كانت التوازنات المطلوبة لتحقيق ذلك مليئة بالتحديات.

شهدت الفترة من 2006 إلى 2007 تعقيدات كبيرة في السياسة النرويجية تجاه الشرق الأوسط. في عام 2005، تولت النرويج أول حكومة “حمراء-خضراء” (ائتلاف من اليسار والوسط) مع أجندة واضحة للعمل من أجل السلام. كان هناك ضغط داخلي كبير، خاصة من حزب اليسار الاشتراكي (SV) وأجزاء كبيرة من حزب العمال، لدعم الفلسطينيين بشكل أكثر وضوحًا.

في هذه الأثناء، ضغطت الولايات المتحدة لتحقيق مزيد من الديمقراطية في الشرق الأوسط. رأى الأمريكيون أن الفلسطينيين بحاجة إلى مزيد من الممارسات الديمقراطية. ونتيجة لذلك، فرضت الولايات المتحدة إجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية. كانت السلطة الفلسطينية (PA) وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية مترددة في قبول هذه الانتخابات، وذلك خوفًا من الخسارة – وهي مخاوف كانت مبررة تمامًا.

في يناير 2006، حققت حركة حماس فوزًا ساحقًا في الانتخابات الفلسطينية، حيث حصلت على 74 مقعدًا من أصل 132 في المجلس التشريعي الفلسطيني. حماس، التي تُعتبر حركة إسلامية ذات طابع سياسي وعسكري، كانت في معارضة شديدة لنهج حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية القائم على التفاوض التدريجي لتحقيق السلام مع إسرائيل. بعد توقيع اتفاقية أوسلو، لجأت حماس، جنبًا إلى جنب مع تنظيم “الجهاد الإسلامي” الأصغر حجمًا، إلى تنفيذ عمليات انتحارية داخل إسرائيل كجزء من مقاومتها للعملية السلمية. نتيجة لذلك، وُضعت حماس على قوائم الإرهاب في العديد من الدول.

في عام 2006، خاضت حماس الانتخابات تحت برنامج سياسي وصف بأنه أكثر اعتدالًا بعنوان “التغيير والإصلاح”. جاءت نتائج الانتخابات بمثابة مفاجأة للجميع، بما في ذلك حماس نفسها. ولكن بعد أن تولى إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الجديد من حماس، مهامه في مارس 2006، واجه تحديات هائلة. أوقفت السلطات الإسرائيلية جميع التحويلات المالية المنتظمة إلى السلطة الفلسطينية، فيما أعلنت الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، ومعهم النرويج، عن تعليق جميع الاتصالات والعلاقات مع حكومة حماس، ووقف المساعدات المالية المباشرة وغير المباشرة للسلطة الفلسطينية. أدى ذلك إلى تصاعد التوترات بين أنصار فتح وحماس، ما أشعل اشتباكات عنيفة ودموية في الشوارع.

في 8 فبراير 2007، توصل القادة الفلسطينيون إلى اتفاق في مكة يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية. ومع ذلك، لم يلقَ هذا الاتفاق ترحيبًا من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة، الذين استمروا في فرض شروطهم وعقوباتهم الاقتصادية. بقيت حماس مدرجة على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

على عكس الموقف الغربي العام، دعمت النرويج جهود الوحدة الفلسطينية. وصفت اتفاقية مكة بأنها “خطوة هامة” نحو الاعتدال، حيث رأى وزير الخارجية النرويجي، يوناس غار ستوره، أن الاتفاقية قد تساهم في “دمج حماس في العملية السياسية وإبعادها عن التطرف”. أكد الأمين العام المساعد ريموند يوهانسن أن النرويج قد ارتدت “القميص الأصفر”، في إشارة إلى ريادتها في دعم هذه الجهود.

في 17 مارس 2007، أعلنت الحكومة النرويجية تطبيع العلاقات مع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وكانت بذلك أول دولة غربية تتخذ هذا القرار. في 19 مارس، زار ريموند يوهانسن مدينة غزة لحضور مراسم تشكيل الحكومة، ليصبح أول سياسي غربي بارز يلتقي برئيس الوزراء إسماعيل هنية.

هذا الموقف النرويجي كان استثنائيًا في السياق الدولي، حيث لم تذهب أي دولة غربية أخرى إلى هذا الحد في دعم حكومة الوحدة الفلسطينية.

أثارت زيارة ريموند يوهانسن إلى غزة في مارس 2007 ردود فعل دولية واسعة. كانت إسرائيل غاضبة بشكل علني، بينما أعربت الولايات المتحدة عن استيائها من السياسة النرويجية “الناشطة”. ورغم أن وزير الخارجية النرويجي يوناس غار ستوره كان قد أبلغ الأمريكيين مسبقًا، إلا أن الخطوة لم تلق قبولًا. لم تحذُ الدول الأوروبية الأخرى حذو النرويج، وفضلت الالتزام بموقف واشنطن تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة.

بحلول صيف 2007، اندلعت مواجهات عنيفة جديدة بين حماس وفتح في قطاع غزة، مما أدى إلى طرد فتح من القطاع. منذ ذلك الحين، لم تُجر أي انتخابات ديمقراطية في الأراضي الفلسطينية. أصبحت غزة تحت سيطرة حكومة تديرها حماس، في حين كانت الضفة الغربية تدار من قبل حكومة تابعة لفتح بقيادة الرئيس محمود عباس، الذي حكم بموجب مراسيم.

رغم أن حكومة الضفة الغربية لم تكن منتخبة ديمقراطيًا ولم تحظَ بمصادقة البرلمان الفلسطيني، سارعت إسرائيل والدول الغربية إلى تطبيع العلاقات معها. تبنت النرويج هذا النهج أيضًا، متخلية عن دورها الريادي الذي كانت قد ادعته سابقًا في دعم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

استمرت النرويج في لعب دورها ضمن عملية السلام، لكنها عادت إلى سياسة حذرة. بقيت حريصة على عدم اتخاذ مواقف قد تُعتبر غير مقبولة من قبل إسرائيل، الطرف الأقوى في الصراع. كانت النرويج ترى في مارس 2007 فرصة كبيرة لتحقيق الوحدة الفلسطينية، لكنها فشلت في إقناع الأطراف الدولية بقبول تلك الجهود. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، عززت الولايات المتحدة وحلفاؤها موقفهم الرافض لحماس التي اعتبروها منظمة إرهابية وعدوًا.

لم يدم الدور النرويجي الناشط طويلًا. بعد فشل الجهود في توحيد الفلسطينيين، وضع الإسرائيليون النرويج في “الثلاجة الدبلوماسية”، مما أثر سلبًا على العلاقات الثنائية. استغرق الأمر وقتًا قبل أن تتمكن النرويج من استعادة علاقاتها الجيدة مع إسرائيل، وهي علاقات كانت ضرورية لدور النرويج في مجموعة المانحين الدولية (AHLC)، التي ظلت أحد الأماكن القليلة التي تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات.

منذ عام 2007، انضمت النرويج بشكل كامل إلى صفوف الدول الغربية الأخرى، متبعة سياسة حذرة تجاه إسرائيل. كان ذلك حتى مايو 2024، عندما حدث تحول كبير في السياسة النرويجية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

الخلاصة

في 7 أكتوبر 2023، نفذت حركة حماس هجومًا إرهابيًا مروعًا على إسرائيل، أسفر عن مقتل 1139 إسرائيليًا وأسر حوالي 240 رهينة. على الجانب الآخر، أُفيد بمقتل ما لا يقل عن 40,000 فلسطيني في الحرب على قطاع غزة. اندلعت مظاهرات كبيرة حول العالم لدعم الفلسطينيين، بما في ذلك في النرويج، حيث تصاعد الضغط السياسي للاعتراف بدولة فلسطين وفرض عقوبات على إسرائيل. أصبحت الانتقادات لإسرائيل في النرويج أكثر وضوحًا وتماسكًا من أي وقت مضى، وتراجعت مستويات الدعم لإسرائيل إلى حد كبير.

في 28 مايو 2024، قامت النرويج بخطوة كبيرة بتغيير سياستها واعترفت بدولة فلسطين. يمثل هذا القرار تحولًا جذريًا عن السياسة التي اتبعتها النرويج منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. أدرك الوسطاء النرويجيون، بناءً على تجربتهم في أوسلو، أن أي اتفاق مستقبلي يتطلب العمل ضمن قواعد اللعبة التي تضعها إسرائيل، الطرف الأقوى في النزاع, لن يجدي نفعاً. لثلاثة عقود، حاولت النرويج الحفاظ على توازن حساس من خلال البقاء على علاقة جيدة مع إسرائيل، لكنها في النهاية قررت التخلي عن هذه المقاربة.

كانت حرب غزة بمثابة “المسمار الأخير” في نعش سياسة الإقناع التي اعتمدتها النرويج تجاه إسرائيل. رفضت إسرائيل التفاوض بشأن السلام مع الفلسطينيين أو حتى مناقشة حل الدولتين، مما دفع النرويج إلى تغيير نهجها بالكامل.

اختارت النرويج سياسة جديدة تهدف إلى دعم الطرف الأضعف، أي الفلسطينيين، والعمل مع دول أوروبية أخرى ودول عربية بارزة لتحقيق حل طويل الأمد للصراع. انضمت النرويج إلى غالبية دول العالم التي تدعم هذا التوجه، لكنها في الوقت ذاته تركت معسكر الدول الغربية الكبرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، التي لا تزال تدعم إسرائيل بشكل كبير.

كان الاعتراف بدولة فلسطين بمثابة محاولة يائسة من النرويج لتغيير مسار الصراع وتحقيق تحول جذري في العملية السلمية. سعت النرويج من خلال هذه الخطوة إلى التوصل إلى حل سلمي يعتمد على رؤية “حل الدولتين”، وهي رؤية أشبه بـ”الحلم البعيد المنال” الذي لطالما بدا بعيد التحقيق.

مثّلت اتفاقية أوسلو عام 1993 اختراقًا كبيرًا للوساطة النرويجية في مجال السلام. لكن لا النرويج ولا غيرها من الدول تلعب دور الوسيط في نزاعات الآخرين لأسباب إنسانية بحتة. فالوساطة تسهم أيضًا في تعزيز المصالح الوطنية للبلدان التي تقوم بها.

تُعتبر الوساطة في النزاعات أداة دبلوماسية فعالة، تُستخدم لزيادة نفوذ الدول الصغيرة ومكانتها الدولية. بالنسبة للنرويج، فإن جهودها في الوساطة لا تخدم فقط السلم العالمي، بل تعزز أيضًا مصالحها في مجالات أخرى. تهدف السياسة النرويجية إلى بناء عالم أكثر استقرارًا وسلامًا، وتعزيز التعاون الدولي واحترام القانون الدولي، بما في ذلك دعم النرويج القوي للأمم المتحدة.

أدى النشاط الدبلوماسي النرويجي في مجال الوساطة إلى تعزيز مكانتها في المحافل الدولية. كما أوضح وزير الخارجية النرويجي السابق كنوت فوليبك: “لقد جعلنا انخراطنا في الشرق الأوسط أكثر إثارة للاهتمام على المستوى الدولي”. أضاف فوليبك أنه عندما كان يزور مؤسسات مثل المفوضية الأوروبية في بروكسل أو العواصم الأوروبية وحتى واشنطن، كان يُلاحظ اهتمامًا كبيرًا بما يجري في الشرق الأوسط، ما أتاح له فرصة إدخال قضايا أخرى للنقاش مثل صادرات السلمون وتوجيهات سوق الغاز.

وفقًا للدبلوماسي النرويجي يان إيغلاند، أصبحت الوساطة والسلام من أفضل “الصادرات” النرويجية. إذ لم تعد هذه الجهود تقتصر على تعزيز صورة النرويج كدولة صغيرة تسعى للسلام، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية سياسية تدعم المصالح الوطنية على المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *