بعيدًا عن يانس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، لا يعرف العالم العربي تواجداً بارزًا للشخصيات السياسية النرويجية. ولكن في الفترة الأخيرة يبرز إسبن بارث إيدى كاستثناء. لفتت مداخلات الوزير الانتباه، خاصة على شبكة قنوات الجزيرة، عندما أبدى انتقاداته لما اعتبره المعايير المزدوجة في السياسات الغربية. جاء توليه منصب وزير الخارجية في عام 2023، أيام قليلة بعد طوفان الأفصى في السابع من أكتوبر. وقبل تسلمه لهذا المنصب، شغل مناصب أخرى كوزير للتغير المناخي والبيئة لمدة سنتين. كما عمل سابقًا كوزير للخارجية والدفاع في حكومة يانس ستولتنبرغ الثانية بين عامي 2011 و 2013.
في حديثنا القادم، سنتطرق إلى النهج النرويجي فيما يتعلق بالشرق الأوسط والتحديات التي تعترض حل الدولتين وغيرها من المسائل ذات الصلة.
جرى الحديث مع إيدى لمدة 45 دقيقة في آذار من هذا العام، في اليوم التالي لتعيين محمد مصطفى رئيسًا جديدًا للوزراء في فلسطين. منذ هذا الحوار، ارتفع عدد الضحايا بين الفلسطينيين في القطاع بشكل مأساوي، بينما تستمر تهديدات إسرائيل بالتسلل إلى رفح، حيث يعيش مليون ونصف مليون شخص في مساكن مؤقتة على مساحة تعادل 60 كيلومتر مربع، مشابهة لمساحة أحد أحياء أوسلو. وتتصاعد التوترات في ألمانيا، خاصة بعد رفض السلطات قبول الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي كان من المقرر أن يشارك في أحد المؤتمرات تجاربه الشخصية من غزة.
وفي الوقت نفسه، توفي السجين وليد أبو دقة بعد 38 عامًا داخل السجن، حيث حرم من العلاج لسرطانه ومن رؤية ابنته المعجزة التي أتت عالمنا عبر عملية تهريب للنطاف خارج السجن.
وأثناء كتابتنا لهذه السطور في ليلة السبت 13 أبريل، قصفت الطائرات المسيرة الإيرانية والصواريخ أهدافًا في إسرائيل ردًا على الهجوم الإسرائيلي الأخير على القنصلية الإيرانية في سوريا الذي تسبب بمقتل محمد رضا زاهدي، الجنرال في الحرس الثوري، إلى جانب عدة شخصيات إيرانية أخرى في غارة إسرائيلية على دمشق.
وفي حين تم ترجمة نصنا إلى العربية بحلول 29 أبريل، تستمر الاحتجاجات يوميًا في الجامعات الأمريكية. اعتقال رئيس قسم الفلسفة في جامعة إموري، نويل مكافي، شكل لحظة مؤلمة في الأوساط الأكاديمية. هذه الأحداث تأتي في أعقاب تأييد الرئيس بايدن لحزمة مساعدات خارجية بقيمة 95 مليار دولار، مخصصة 24 مليار دولار لإسرائيل.
وتعزز هذه التخصيصات المساعدات الاقتصادية والعسكرية المتراكمة التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل منذ تأسيسها في 1948، والتي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار (مع الضبط للتضخم). هذا “السخاء” يعزز مكانة إسرائيل كأكبر مستفيد من المساعدات الخارجية الأمريكية في التاريخ.
يدور الصراع في غزة، الذي تشير إليه المحكمة الدولية كإبادة جماعية محتملة، في الأنفاق تحت الأرض في القطاع الذي يشكل منطقة لا تزيد عن نصف مساحة أوسلو. ومع ذلك، تتردد تداعيات هذا القطاع على نطاق واسع وتصل إلى ما وراء حدود غزة.
النرويج، على الرغم من بعدها الجغرافي عن مركز الصراع، ليست محصنة ضد تأثيراته.
نظرة على نهج النرويج المختلف:
• يبدي العديد في العالم العربي إعجابهم بسياسات النرويج في الشرق الأوسط، ولكن يثير الفضول سبب اختلاف نهجها عن باقي الدول الغربية. هل يمكنك توضيح سبب ذلك؟
• بالطبع. في البداية وقبل كل شيء، يعتبر من الأهمية بالنسبة للنرويج تطبيق مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي بانتظام، بغض النظر عن النزاع أو البلد المعني. لقد لوحظ وجود معايير مزدوجة بين بعض الدول الغربية في ردود أفعالها تجاه النزاعات، خاصة فيما يتعلق بغزة وإسرائيل. لذا، تسعى النرويج إلى الثبات وتؤمن بأهمية الوقوف منتصرة على نفس المبادئ بغض النظر عن الوضع.
علاوة على ذلك، استثمرت النرويج الكثير من الوقت والجهد في فهم النزاع في الشرق الأوسط. وقعت اتفاقيات أوسلو منذ أكثر من 30 عامًا، وهي البداية لتغيير موقف النرويج من دعم إسرائيل بشدة إلى اعتماد نهج أكثر توازنًا. ببساطة تعتقد النرويج أن تحقيق السلام في المنطقة لا يمكن إلا بحل النزاع وإقامة دولة فلسطينية. وقد أتاح هذا التطور لنا فهمًا أعمق للنزاع وجعل من السهل التعامل مع الأحداث الجادة، مثل ما يحدث في غزة الآن.
الخلفية التاريخية: تغيّر وجهة نظر النرويج تجاه الشرق الأوسط:
أشرتُ إلى أن النرويج قامت بتغيير موقفها مع مرور الوقت. هل يمكنك تقديم نظرة تاريخية عامة عن سبب تغيير النرويج لموقفها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
بالطبع. في السنوات الأولى بعد إنشاء دولة إسرائيل، كان هناك حماس وتعاطف كبيرين تجاه البلاد، جزئياً كان ذلك نابعاً من الشعور بالذنب الجماعي بعد المحرقة، والانجذاب إلى إسرائيل كتجربة اشتراكية. ومع ذلك، بدأت الآراء في التغير خاصة بعد خدمة النرويجيين في قوات الأمم المتحدة في لبنان في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات. وقد أدت هذه الخبرة إلى فهم متزايد للوضع المعقد في الشرق الأوسط وزيادة التعاطف مع حقوق الفلسطينيين. هناك كذلك جهد مدروس من قبل عدة فاعلين، بما في ذلك السياسيين والباحثين، لتعزيز رؤية أكثر توازناً للصراع. وقد بلغ هذا الجهد ذروته مع توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993، حيث لعبت النرويج دوراً محورياً. منذ ذلك الحين، شاركت النرويج بنشاط في عملية السلام وعملت على حل الصراع. وقد منحتنا هذه المشاركة صورة أكثر تفصيلاً عن الوضع وجعلتنا أكثر تجهيزاً للرد على الانتهاكات، مثل تلك التي تشهدها في غزة الآن.
موقف النرويج من حركة حماس:
ما هو موقف النرويج تجاه حماس، خاصةً في ضوء الأحداث التي وقعت في أكتوبر؟
نحن ندين بشدة الهجوم الإرهابي الذي وقع في السابع من أكتوبر. إنه عمل إرهابي بشع استهدف المدنيين، وهو أمر غير مقبول أبدًا. بنفس الطريقة التي ندين من خلالها الهجمات على المدنيين الفلسطينيين، ندين كذلك الهجمات على المدنيين الإسرائيليين. الإرهاب والهجمات على السكان المدنيين لا يمكن تبريرها أبدًا، ونعارضها بشدة. ومع ذلك، تحافظ النرويج على موقف فريد من نوعه من خلال الاتصال المباشر مع حماس على المستوى الدبلوماسي. يستند نهجنا إلى مبدأ الحوار مع جميع الأطراف المعنية. لا يوجد فائدة من التواصل فقط مع من يشاركوننا آرائنا. لو أدنا فقط ذلك، لكان من الأفضل أن نتصل بالسويد كل صباح للتأكد من أحوالهم وتجاهل بقية العالم. إذا كنا نريد تحقيق السلام، فعلينا التفاعل مع أولئك الذين نختلف معهم.
حلم حل الدولتين:
إلى أي مدى تبدو حل الدولتين واقعية فعلاً، أم أنها مجرد خطاب سياسي؟
من الطبيعي أن يتساءل البعض عما إذا كانت فكرة حل الدولتين واقعية فعلاً، خاصة أنها تبدو صعبة التحقيق وتتضمن تحديات كثيرة. ومع ذلك، فإن البدائل المتاحة تبدو أسوأ بكثير. فحل الدولة الواحدة، حيث يسيطر إسرائيل على كل شيء، لن يكون مرضيًا للفلسطينيين الذين يسعون للحصول على دولتهم الخاصة، ولن يكون مرضيًا أيضًا لإسرائيل التي ترغب في الحفاظ على طابعها اليهودي. حل الدولة الواحدة سيجعل إسرائيل مضطرة إلى إما قمع المواطنين غير اليهود أو التنازل عن هويتها اليهودية. لذا، لا زلت أؤمن بإمكانية حل الدولتين. فكل من الفلسطينيين والإسرائيليين بحاجة إلى دولة فلسطينية. دولة فلسطينية تعترف بحق إسرائيل في الوجود بأمان، وإسرائيل تعترف بحق فلسطين في الوجود بأمان. لدينا لاجئون فلسطينيون متناثرون في دول مختلفة، من سوريا إلى لبنان إلى الأردن وداخل فلسطين نفسها. ستمنح دولة فلسطينية هؤلاء الأشخاص الفرصة للعودة إذا رغبوا في ذلك. ولكن هذا السؤال لن يجد إجابة إلا بإنشاء دولة فلسطينية. ثقتي بحلم الدولة الفلسطينية لم تتزعزع، وقد تعززت هذه الثقة في ضوء الأحداث المأساوية في غزة والضفة الغربية. ما يحدث هناك أمر جدي وخطير للغاية، خاصة مع انتشار العنف الاستيطاني وفقدان العديد من الأرواح البريئة. هذا يتطلب حلاً سياسيًا جذريًا، وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار ضروري لوقف سفك الدماء، إلا أنه لا يمثل سوى مجرد خطوة أولى. يجب أن نعمل جميعًا من أجل عملية سياسية تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية قابلة للتطبيق، ليس فقط على الورق، ولكن في الواقع. هذا ما يجب أن نسعى إليه، ويجب أن تكون كل ما نقوم به موجهة نحو هذا الهدف: وقف الحرب، وتقديم المساعدات الطارئة، وتعزيز إنشاء دولة فلسطينية.
لتحقيق حل الدولتين، يتعين وجود حكومة مستقرة. ومع ذلك، كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين لا يمتلكون ذلك.
المشكلة في استقرار الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية هي مسألة تحتاج إلى تدابير شاملة. أولاً وقبل كل شيء، يجب التأكيد على أن كل من الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية لا يملكان شعبية بين السكان. فقد واجه نتنياهو احتجاجات عنيفة بسبب محاولاته للتقليل من سيادة القانون في إسرائيل. ومن جهة أخرى، فقد خابت آمال العديد من الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية بسبب عدم التقدم في إقامة دولة فلسطينية، مما أضعف الثقة فيها. لحل هذه المشكلة، يُقترح إجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية لجعلها أكثر فعالية وموثوقية، وذلك من خلال تطهير الفساد الداخلي واستقطاب قوى جديدة للمشاركة في الحكومة. سيُساهم ذلك في استعادة الثقة بين الفلسطينيين وتمكينهم من منافسة أفضل مع القوى الأكثر تطرفًا للحصول على الدعم في المستقبل.
نتنياهو، والمستوطنون:
من يعرقل حل الدولتين؟
• في البداية، فإن النشاط المتزايد للمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية يعد أحد أهم التحديات. هذا يجعل من الصعب تصور إنشاء دولة فلسطينية في المستقبل القريب. ولحل هذه المشكلة، يجب اتخاذ تدابير فعّالة مثل تفكيك المستوطنات أو تنفيذ عمليات تبادل أراضي للتعامل مع هذه التحديات. وعلاوة على ذلك، يتم تسليط الضوء على عدة جهات تسهم في هذه المشكلة، بما في ذلك نتنياهو وحماس. إذ فقد كان نتنياهو مترددًا في تقديم محادثات بشأن دولة فلسطينية، بينما قامت حماس بتقويض الوحدة الفلسطينية وتعزيز التوترات. كما يلاحظ أن نتنياهو بدأ يظهر إيجابية نحو تعزيز حماس، وهو ما يعرقل الاعتقاد في وحدة الدولة الفلسطينية.
غزة – أوكرانيا: كيف ترى الفروقات بين الوضع في غزة وأوكرانيا؟ • ينبغي النظر في الأصول المختلفة للوضع في غزة وأوكرانيا. في أوكرانيا، تمت غزوها من قبل روسيا دون أي استفزاز من جانب أوكرانيا، مما يجعل روسيا الجاني وأوكرانيا الضحية. من ناحية أخرى، تعرضت إسرائيل لهجوم من حماس في السابع من أكتوبر، وعلى الرغم من وجود تاريخ طويل للصراع في الشرق الأوسط وخلفية طويلة خلف الهجوم، إلا أننا نتفق جميعًا أن السبب الذي دفع بالصراع إلى الأمام. بالنسبة للعواقب، ينبغي النظر في كيفية مواجهة الحروب. تحدد اتفاقيات جنيف مبادئ هامة للحروب، مثل حماية المدنيين والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية. كل من إسرائيل وروسيا تعرضتا لانتقادات بسبب انتهاكهما لهذه المبادئ في حروبهما. وقد أدى ذلك إلى ضعف التأييد لموقف الغرب بشأن أوكرانيا، حيث يُعتبر ممارسة المبادئ بطريقة مزدوجة عندما لا تُطبق هذه المبادئ بشكل متسق. هذا فتح المجال أمام روسيا لكسب المزيد من الدعم، خاصة بين الدول في الجنوب العالمي. وفي الختام، على الرغم من وجود فروقات بين الوضع في غزة وأوكرانيا، من المهم أن يلتزم الغرب بمبادئ الحرب وأن يطبقها بشكل متسق للحفاظ على مصداقية وشرعية الإجراءات والقرارات الدولية.
الضغط على النرويج:
هل هناك ضغط على النرويج لتغيير موقفها، خاصة فيما يتعلق بالدعم المستمر للأونروا؟
• نعم، بالتأكيد هناك ضغط على النرويج، خاصة من إسرائيل، لتغيير موقفها بخصوص دعم الأونروا. ومع ذلك، نحن نتمسك بحزم بقرارنا بالإبقاء على الدعم للأونروا. لقد كنا واضحين بأنه من الخطأ قطع الدعم، وسنواصل دعم الأونروا. في الوقت نفسه، حثينا الأونروا على توضيح أي انتهاكات غير مشروعة ومعاقبة أي مخالفات للقانون. الضغط على النرويج يأتي أيضًا من دول أخرى، ولكننا نقاومه ونعتقد أن موقفنا صحيح. لقد قمنا أيضًا بحث الدول الأخرى على استئناف الدعم للأونروا، ونحن سعداء جدًا بأن المزيد من الدول الآن تعود بالدعم.
حرية التعبير:
هل هناك مناقشات حول تحديات حرية التعبير، خاصة في ظل الوضع في الشرق الأوسط، بين النرويج وألمانيا؟
• نعم، بشكل عام، لدينا شراكة وثيقة بين النرويج وألمانيا في العديد من المجالات، ولكننا نختلف فيما يتعلق بصراع الشرق الأوسط. لدينا مناقشات صادقة ومحترمة حول هذا الموضوع. على الرغم من أن ألمانيا كانت أكثر حذرًا عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل، إلا أننا نرى الآن تحركًا نحو موقفنا. على سبيل المثال، أصبح السياسيون الألمان، مثل آنالينا بايربوك، أكثر وضوحًا في دعمهم لحل الدولتين وضرورة وقف إطلاق النار. نحن ندرك أن انتقاد إسرائيل يمكن أن يكون صعبًا في ألمانيا، حيث يتم التعامل معه أحيانًا على أنه قضية معادية للسامية، ولكن من المهم التمييز بين الانتقاد المشروع لإسرائيل والعنصرية ضد السامية. ونحن سعداء بزيادة الاهتمام بهذا الشأن في النرويج في التفريق الواضح بين القضيتين. كوزير للشؤون الخارجية، سأكون ملتزمًا بتمثيل وجهات النظر المختلفة، بما في ذلك تلك القادمة من الأشخاص النرويجيين ذوي الخلفيات من الشرق الأوسط، ونقلها دوليًا.