في عام 2011 وبعد أندلاع ثورات الربيع العربي في تونس ثم مصر، تحمس سامر الصياصنة ذو الـ 14 عاماً مع مجموعة من أصدقائه في المدرسة بمدينة درعا بسوريا، فأحضروا بخاخ وكتبوا على أحد الجدران “حرية”، “يسقط النظام” و”جاك الدور يا دكتور”
أعتقل الأطفال ولمدة شهر جرى تعذيبهم، لكن هذه الشعارات وما حدث لهم سجل البداية لخروج مسيرات في الشوارع ثم تطور الأمر لصراع السوري الذي ما زلنا نتابع أثاره إلى الآن، هذه لكن لدكتور تفسير إضافي لأسباب الإضطرابات والثورات، وهو “الجفاف والتغيرات المناخية”.
في 2014 نشر بيتر جليك Peter Gleick ورقة بحثية ربط فيها بين الجفاف وندرة المياه من جهة، ونشوب الحروب والصراعات، وبالتالي ارتفاع أعداد المهاجرين من جهة أخرى، تحت عنوان “المياه، الجفاف، التغيرات المناخية، والصراع في سوريا” رأى جليك أن الجفاف هو المحفز الأكبر لنزول الأفراد في الشوارع ضد الحكم في سوريا، ولموجات الهجرة التي تلة هذا الصراع.
وذكر جليك في الورقة المنشورة بدورية جمعية الأرصاد الجوية American Meteorological Society أن المياه والظروف المناخية لعبت دورًا مباشرًا في تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا، “هناك تاريخ طويل من النزاعات على المياه في المناطق التي بدأ فيها الاضطرابات بسبب ندرة المياه خاصة خلال العام السابق لقيام المظاهرات”
ويؤكد جليك في الدراسة أن النزاعات نادرًا ما تُعزى إلى أسباب أحادية، ولتحليل الصراع يجب أن نأخذ في الإعتبار عددًا كبيرًا من العلاقات المعقدة والعوامل المساهمة.
أثرت الورقة البحثية لجليك حالة من الضجة الإعلامية، وحظيت بتغطية كبيرة كما تصف وزماري تير هورست Rozemarijn ter Horst ، المحاضر بمجال دبلوماسية المياه في معهد اليونسكو- أي أتش إي دلفت لتعليم المجالات المائية، في تصريح لها.
تير هورست ترى أن السردية التي ذكرها جليك مهمة ولكن هناك سرديات أخرى تنفي وجود هذه الصلة، إلا أن التغطية الإعلامية أختارت تجاهلها “الإعلام ينجذب بشكل أكبر لتغطية الصراعات عوضاً عن تغطية التوافق، فحالة الرعب والشعور بالتهديد في أوروبا، خلقت من هذا الربط ما بين الجفاف والهجرة موضوعًا بحثيًّا ساخنًا للعلماء والباحثين”
وشددت أننا ما زلنا في بداية الطريق “هناك تعجل إعلامي في تغطية البحوث التي تربط ما بين المياه والصراع وموجات الهجرة، لكن نحتاج إلى التمهل والتوازن في التغطية و عدم التعامل مع فرضية بحثية مطروحة كحقيقة مسلم بها “
إذا فالرابط ما بين الجفاف والهجرة غير واضح ولا يمكن الجزم به ، لكن هناك بعض الشهود والتي منها ما ذكره إيان فراي Ian Fry ، مقرر الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغير المناخ، حيث أوضح كيف جرى رصد حركة نزوح ضخمة في شرق أفريقيا مع حدوث جفاف ناجم عن التغيرات المناخية في نهاية 2016.
وأشار في التقرير الصادر من الأمم المتحدة يونيو- حزيران 2022 أن أنه من بين 59.1 مليون نازح داخليًا حول العالم في عام 2021 في جميع أنحاء العالم ، تسببت التغيرات المناخية والكوارث المرتبطة بها في نزوح السواد الأعظم منهم. حتى أن أعدادهم تجاوزت أعداد النازحين بسبب النزاع المسلح.
وعلى موقع reliefweb المعني بالإغاثة، أورد تقرير أرقامأ وصفت بالمقلقة لأعداد النازحين بسبب الجفاف الذي ضري شرق أفريقيا في 2016، فبعد الإعلان رسميًا عن المجاعة في جنوب السودان ، نزوح 1.9 مليون فرد داخليًا. وفي الصومال نزح أكثر من 700 ألف شخص خلال 6 أشهر، بينما عبر ما لا يقل عن 2000 صومالي إلى كينيا في ذات التوقيت، كل هذا النزوح بحثًا عن المساعدات الإنسانية.
وبحسب ما تقرير نشرته منظمة الغذاء والدواء FAO في عام 2010 تحت عنوان “خطة سوربا للاستجابة للجفاف“، فقد مرت البلاد قبيل اندلاع الصراعات مباشرة بعامين من الجفاف الشديد ونقص كبير في السلع الغذائية.
إذا في حالات عديدة يدفع الجفاف ونقص الغذاء الأفراد إلى النزوح وترك مساكنهم، وقد يدفعهم للنزول إلى الطرقات والتظاهر، كلها عناصر تحتاج المزيد من الدراسة كما تقول تير هورست ولكن حتى وإن كان الجفاف محفزاً أو ضاغطاً لإنتقال السكان، فهل النزوح حل متاح مع وجود حدود بين الدول، وصعوبة التنقل في ظل هذه الظروف المناخية الصعبة؟
تجيب دراسة حديثة منشورة في ناتشر للتغيرات المناخية Nature Climate change بتاريخ يوليو 2022 أن التغيرات المناخية تخلق ظروف تجعل من الحياة في بعض المناطق خطيرة، والرحيل عنها صعب.
وتكهنت الدراسة أن تغير المناخ إلى انخفاض في التنقل الدولي للسكان ذوي المستويات الأدنى من الدخل في أفريقيا جنوب الصحراء وشمال إفريقيا وبعض دول الإتحاد السوفيتي السابق بنسبة تصل إلى 10٪ بحلول عام 2100. وقد يرتفع هذا إلى 35٪ في ظل سيناريوهات أكثر تشائماً
وذكرت الدراسة بأنه من المتوقع أن يزداد التعبير عن الهجرة في سياق أنها أحد سبل التكيف مع التغيرات المناخية، فعندما تشتد الظروف الجوية قسوة وتصبح مهددة لحياة الأفراد، يضطرون إلى الرحيل وإيجاد مكان أكثر أماناً.
ومع ذلك –كما تورد الدراسة- فإن ومع ذلك ، فمن المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى استنفاد الموارد في بعض المناطق الأكثر حرمانًا ، وبالتالي تحجيم قدرة الأفراد ذوي الموارد المحدودة على التنقل.
ولاحظت مؤلفة الدراسة هيلين بنفينيست Hélène Benveniste ففي ظل سيناريو تصل فيه الانبعاثات إلى ذروتها بحلول عام 2040 ولا تتغير الأوضاع الاقتصادية بشكل ملحوظ ، قد يتم تخفيض التنقل الدولي بأكثر من 10٪ للأفراد ذوي مستويات الدخل الأدنى، وبالتالي من المرجح أن يلعب مستوى دخل الأفراد دورًا كبيرًا في العلاقة بين المناخ والهجرة.