الأجهزة الأمنية في سوريا ودورها في مفاصل الحياة في سوريا

1413

مقدمة:

على الرغم من أن ولادة الأجهزة الأمنية في سوريا جاء عقب استقلال سوريا في منتصف القرن الماضي، من خلال ما يسمى “المكتب الثاني”، إلا أن معظم الأجهزة الأمنية تم تأسيسها عقب استلام حزب البعث الحكم في سوريا عام 1963 (1)، وإعلان حالة الطوارئ في 8 آذار 1963. ازدادت وحشية هذه الأجهزة وتغلغلها في كافة مفاصل الحياة اليومية للسوريين عقب استلام عائلة الأسد للحكم في سوريا سيما عقب انقلاب حافظ الأسد عام 1970 (2). حيث لعبت دوراً كبير في تثبيت النظام الحاكم لعدة عقود. وكان دورها أساسياً وواضحاً في عدة أحداث في تاريخ سوريا، من خلال القمع وارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولعل أبرزها مجزرة مدينة حماة 1982، وما زال يحدث منذ اندلاع الثورة السورية ضد النظام الحاكم في عام 2011. فما هي هذه الأجهزة؟ وما هو دورها في تحويل سوريا إلى “جمهورية الخوف”، لأبنائها السوريين وكل من يطئ أرضها أو يعيش في دول مجاورة لها، أو سمع عنها. ستتناول هذه المقالة سياسة النظام والاجهزة الامنية ودورها في التحكم في الحياة اليومية في سوريا.

سياسة النظام القائم في سوريا في التعامل مع الأجهزة الأمنية:

كانت سياسة الأب حافظ الأسد تقوم على حكم البلاد بقبضة أمنية قوية ، وأن تتدخل في كافة مفاصل حياة السوريين و المقيمين فيها، حتى في دول الجوار، كما حدث لدى تدخله في لبنان (3) والأردن والعراق، وحتى في الشأن الفلسطيني (4). لتحقيق  هذه السياسة قام الأسد الأب بإعطاء الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة، لكنه جعل مقاليد قوة هذه الأجهزة بيده حتى لا تشكل تحالف قوى قد يواجهه في المستقبل، لذلك كانت التغييرات في الأجهزة الأمنية والمناصب تجري بشكل دائم، وبنفس الوقت كان حافظ الأسد يمنع الاجتماعات الثنائية بين قادة هذه الأجهزة ويجعلها تتنافس فيما بينها في سبيل نيل رضاه. وكان يبطش بكل من يتجرأ على تحديه او أن يشاركه في الحكم، وأكبر مثال على ذلك عندما طرد شقيقه “رفعت” من سوريا في الثمانينيات (5). وانطلاقاً من هذه السياسة عمل حافظ الأسد على إيجاد عدة اجهزة تتضمن في هيكلها البنيوي عدة أفرع، مما يساعده على توزيع السلطات بين القيادات الأمنية وبذلك يضمن اضعافهم أمامه والتنافس فيما بينهم. وأهم ما يميز هذه الأجهزة بالإضافة إلى وحشيتها الغير محدودة، أحيطت بهالة من الغموض والسرية، لذلك من الصعب الحصول على معلومات رسمية منشورة وفق الأصول عن هذه الأجهزة ، وكل ما هو منشور أو معروف هي تسريبات تمت من قبل أشخاص ينتمون لهذه الأجهزة و انشقوا عنها لعدة أسباب وأهداف (6). وعندما استلم ابنه بشار الأسد الحكم في عام 2000 عمل على الإطاحة يما يسمى بالحرس القديم، الذي ساعد والده على الاستبداد بالحكم في سوريا لعقود، وذلك لشعوره بالخوف من قوة رجالات هذا الحرس (7).

قام الأسد الأب بإعطاء الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة، لكنه جعل مقاليد قوة هذه الأجهزة بيده حتى لا تشكل تحالف قوى قد يواجهه في المستقبل

تركيبة الأجهزة الأمنية في ظل النظام القائم في سوريا:

تم تشكيل بنية الأجهزة بطريقة تجعل تسلسلها الهرمي ينتهي في قبضة رئيس البلاد، بما أنه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة (8)، فهذا يعني أن كل الأجهزة الأمنية التابعة للجيش ستتبع له حكماً. وحيث أنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء فهو يستطيع حمايتها من الملاحقة القضائية. ومن المؤكد أن صلاحياته في إصدار المراسيم التشريعية تعطيه المقدرة على إحداث هذه الأجهزة وتعيين أفرادها ونقلهم وعزلهم وضمان إفلاتهم من العقاب. ويتم إشراف رأس النظام هذه الأجهزة بشكل مباشر أو من خلال مكتب الأمن الوطني.

تتألف أجهزة الأمن والمخابرات السورية من أربعة إدارات، تسمى شُعب، وهي شعبة الأمن العسكري، وشعبة أمن الدولة، أمن وشعبة المخابرات الجوية، وشعبة الأمن السياسي. كل منها تختلف صلاحياتها ومهامها وأفرادها، وله قيادتها الخاصة بحيث تعمل بشكل مستقل عن الفروع (الشعب) الأخرى- وفق استراتيجية حافظ الأسد للسيطرة على هذه الأجهزة ومنعها من تشكيل تحالف ضده- كما ذكرنا آنفاً. ويقع المقر الرئيسي لكل كل شعبة (جهاز) في العاصمة دمشق، وتتبع لها عشرات الفروع في العديد من المدن والمناطق السورية.  ويحمل كل فرع من الأفرع الأمنية رقماً يميزها عن البقية.

أولاً- مكتب الأمن الوطني:

تأسس هذه المكتب عام 1966، تحت مسمى “مكتب الأمن القومي”، كان يتبع سابقاً للقيادة القطرية حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي وصل للحكم في سوريا عقب الانقلاب العسكري عام 1963 (9). واحتفظ بهذا المسمى حتى عام 2012، حيث تم تعديله عقب انفجار “خلية الأزمة”، حيث أضحى يعرف بمكتب الأمن الوطني ويتبع للرئيس السوري مباشرة. ومهمة هذا المكتب حاليا هي قيادة وتوجيه بقية الأجهزة الأمنية والتنسيق بينها وصلة وصل إضافية بينها وبين الرئيس (10).

مكتب الامن الوطني

ثانياً- إدارة المخابرات العامة:

في عام 1969 صدر القانون رقم 14 القاضي إحداث إدارة أمن الدولة وقانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة (11). ويقع مقر الإدارة الرئيسي متواجد في المنطقة المتعارف عليها بأنها المربع الأمني في العاصمة دمشق، وتتألف البنية الهيكلية في هذه الإدارة من إثني عشر فرعاً مركزياً وتأخذ أرقام ثلاثية، وتتبع لها عدة فروع في كل محافظة ومدينة سورية. ويتم اختيار ضباطها وعناصرها من وزارتي الدفاع والداخلية، أما من هم في الرتب الأقل فهم غالباً من المتطوعين المدنيين، أو ممن يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية وتم فرزهم إلى هذه الإدارة. وأهم الأفرع المتمركزة في العاصمة دمشق التابعة لهذه الإدارة هي:

 

1-     فرع المعلومات (255): يختص بمراقبة من ينشطون في الأحزاب والشؤون الدينية والإعلامية.  

2-     فرع التحقيق (285): يقوم بالتحقيق في التقارير المحالة من بقية أفرع إدارة المخابرات العامة ومن كل المحافظات.  

3-     فرع مكافحة الارهاب (295): مهمته الرئيسية هي عمليات المداهمة والاغتيالات ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تدريب المتطوعين لصالح أفرع الإدارة.

4-     فرع مكافحة التجسس (300): مهمته متابعة الأجانب والمواطنين والمؤسسات الحكومية والخاصة والسياسيين والأحزاب التي تتواصل مع جهات خارجية.

5-     الفرع الخارجي (279): يشرف على عمل عناصر المخابرات في السفارات وخارج البلاد، ومراقبة المغتربين.

6-     الفرع الفني (280):مهمته عمليات التنصت والتشويش ومراقبة البريد والانترنيت.

7-     الفرع الداخلي (251): مهمته إجراء دراسات عن المسؤولين الحكوميين والنقابات والتجار والصناعيين والجامعات والأحزاب. وتجري حالياً في المحكمة الإقليمية في مدينة كوبلنز الألمانية محاكمة رئيس قسم التحقيق في هذا الفرع (12)، بعد ان تم إصدار الحكم على أحد عناصر صف الضباط أمام نفس المحكمة هذا العام (13)

8-     فرع التدريب (290): يقوم بتدريب عناصر الإدارة فيما يتعلق بالعلوم الأمنية والإدارية والتقنية والفنية.

9-     الفرع الاقتصادي (260): يتابع القضايا الاقتصادية والشركات الخاصة والمؤسسات العامة.

10-  الفرع 111: ينظم كافة الملفات التي يشرف عليها مباشرة مدير الإدارة، ويتدخل بكافة ملفات الأفرع.

وفي عام 2007 صدر المرسوم التشريعي رقم 16 القاضي بإحداث المعهد العالي للعلوم الأمنية بغرض تدريب المندوبين الأمنيين للدورات الأمنية المكثفة (14).

  •  
المخابرات العامة

ثالثاً- إدارة الأمن السياسي:

تتبع نظرياً لوزارة الداخلية (15)، مقرها في دمشق، ولها فروع في المحافظات، أما دمشق فيتواجد فيها عدة أفرع لوحدها، مثل  فرع التحقيق وفرع الجبة. وفرع خاص بالأحزاب السياسية وأخر بشؤون الطلبة، فرع المدينة، وفرع المراقبة والملاحقة، فرع المهام الخاصة، وفرع التحقيق، فرع المعلومات، فرع الأحزاب وفرع الأجانب والعرب.

وزارة الداخلية

رابعاً- إدارة المخابرات الجوية:

 مقرها الرئيسي في الآمرية بجانب رئاسة الأركان القريب من ساحة الأمويين ، كما لها عدة فروع في دمشق، فرع في باب توما، وفرع في العباسيين، وفرع في مطار دمشق، وآخر في مطار المزة، ولها فروع وأقسام في كل محافظة ومدينة سورية، وفي جميع المطارات المدنية والعسكرية. ولها عدة مهام أهمها: حماية سلاح الجو السوري والطائرة الرئاسية، وأمن الرئيس في داخل سوريا وخارجها، بالإضافة إلى أمن المطارات. كذلك مراقبة ضباط وأفراد القوى الجوية والدفاع الجوي (16). وهناك عدة أفرع تابعة لهذه الإدارة تتموضع في دمشق، أهمها:

  •       قسم المراقبة الموضوعية:​ مهمته مراقبة الاتصالات الهاتفية والبريد وشركات الاتصالات.
  •       فرع التحقيق:​ يقع ضمن مطار المزة العسكري ويتبع له عدة أقسام، كالمداهمة وجلب المطلوبين.، وقسم الدراسات.
  •       الفرع الإداري: مهمته تعيين العاملين​ في الإدارة ومراقبتهم.
  •       فرع المعلومات: يتألف من عدة أقسام مختصة بجمع المعلومات والقيام بالدراسات الخاصة بالأحزاب والطلاب والدفاع الجوي والقوى الجوية والمدنيين ووسائل الإعلام.
  •       فرع المطار: يهتم بالأمن الشخصي الخارجي للرئيس لدى السفر وطائرته االرئاسية والمطار الرئاسي. ​
  •       فرع الأمن الجوي: مسؤول عن الطيران الحربي ومطاراته.

-هناك أيضاً فرع العمليات الداخلية والخارجية، فرع العمليات الخاصة، الفرع الفني​. هذا الجهاز ساهم في مجزرة حماة 1982، وهو مسؤول عن العديد من المجازر بعد الثورة السورية في 2011، واعتقال وإخفاء المعارضين السياسيين واغتيالهم.

ادارة المخابرات الجوية

خامساً- -إدارة الاستخبارات العسكرية:

 كان يطلق عليها وعلى فروعها في المحافظات في الخمسينيات من القرن الماضي اسم الشعبة الثانية، واشتهرت هذه الشعبة خلال حقبة الخمسينيات (17)، ولها عدة فروع  تتمركز في دمشق، مع فروع في كل المحافظات، وأهم هذه الفروع وأكبرها هو فرع فلسطين (الفرع 235): تم تأسيسه بغرض مراقبة الأفراد والمنظمات والأحزاب  السياسية والفصائل العسكرية الفلسطينية المتواجدين على الأراضي في سوريا وفي دول الجوار وغيرها، ولاحقاً توسعت مهامه ليشمل السوريين والجنسيات الأخرى. وهناك أفرع أخرى:

-فرع التحقيق العسكري (248)، الفرع الإداري (291)، فرع شؤون الضباط (293) مهمته رقابة الضباط، فرع أمن القوات (294)، الفرع الفني (211) مهمته مراقبة الانترنت، فرع الاتصالات (225)، فرع اللاسلكي (237)، فرع سرية المداهمة و الاقتحام (215)، فرع الدوريات (216)، فرع المنطقة (227)، فرع الجبهة –سعسع (220).

– بعد انطلاق الثورة الشعبية 2011، تم تشكيل ما يسمى بخلية إدارة الأزمة وضمت وزيري الدفاع والداخلية، ورئيس الأركان بالإضافة إلى رؤساء الأجهزة الأمنية، واستمرت في عملها حتى التفجير الذي أطاح بعدد كبير منهم في 18\7\2012. كان دورها التنسيق فيما بينها ورفع تقارير عن الأوضاع الامنية لرأس النظام، وتنسيق العمل فيما بين الأجهزة الأمنية (18).

إدارة الاستخبارات العسكرية

الدور الروسي في تركيبة الأجهزة الأمنية:

تلعب روسيا دوراً كبيراً في التأثير على التركيبة الأمنية للنظام السوري، منذ أن أصبح التدخل الروسي في سوريا أكثر علنية ووضوحاً على الأرض  في سوريا، سيما بعد توقيع الاتفاقية الغير معلنة بين النظامين السوري والروسي في عام [19]2015، والتي أعطت الصلاحيات الواسعة لروسيا لتولي جزء كبير من مهام عوضاً عن الحكومة السورية، فسياسياً تدعم روسيا الحكومة السورية في المفاوضات مع المعارضة[20]. واقتصادياً أصبحت روسيا تتحكم بالعديد من الموارد الاقتصادية في سوريا، كإدارة المرافئ وتشغيل المعامل والسيطرة على الثروات الباطنية[21]. أما في القطاع الأمني، فمنذ بداية التدخل الروسي العسكري العلني في سوريا، جربت روسيا ما يزيد عن ثلاثمائة وعشرين نوع من الأسلحة الجديدة في سوريا[22]، وقامت بنشر عناصر الشرطة العسكرية على الأراضي السورية، وتشكيل ما يسمى ب “الفيلق الخامس-اقتحام”[23]. وحيث أن اللاعب الأساسي وله اليد الطولى في سوريا هي الأجهزة الأمنية، قامت روسيا بالعمل التدخل فيها ووضعها تحت إشرافها، فبدأت تتدخل بالتعيينات والتغييرات في المناصب داخل هذه الاجهزة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تعداها إلى الإشراف على إعادة الهيكلة داخل هذه الأجهزة وإحداث أفرع أمنية جديدة تضمن تمكينها من السيطرة وتنفيذ السياسة الروسية في سوريا. ففي عام 2019 عملت روسيا على إحداث عدة أفرع أمنية جديدة في سوريا[24]:

1-     فرع أمن المنشآت “الفرع 108″، يتبع إدارة أمن الدولة، ويتضمن عدة أقسام ويتبع له مفارز في كافة المدن السورية، ومهمته الأساسية تأمين الحماية للمواقع والمؤسسات والمنشآت

2-     “الفرع 24″، يتبع لإدارة المخابرات الجوية، ومهمته مراقبة حركة التنقل من وإلى سوريا.

3-     فرع الأمن الرقمي، يتبع شعبة الأمن السياسي بإشراف روسي مباشر.

الإفلات من العقاب:

حتى يضمن النظام الحاكم في سوريا استمراريته وإحكام قبضته على مقاليد الحكم بأكملها، قام بكل ما يلزمه لإضعاف سيادة القانون، واستقلالية القضاء، فحكم سوريا لمدة عقود بقانون الطوارئ[25]، حيث يتمتع كحاكم العرفي بصلاحيات واسعة بتوقيف المواطنين واعتقالهم لفترات مفتوحة المدة، ومن كان محظوظاً في البقاء على قيد الحياة تتم إحالته إلى إحدى المحاكم الاستثنائية التعسفية كمحاكم الميدان العسكرية، محكمة امن الدولة أو محكمة قضايا الإرهاب[26]، وجميعها أحدثها النظام، كإحدى أشكال ممارساته الأمنية للحكم وإضعاف المعارضين.

وفي المقابل قام بحماية معاونيه في الأجهزة الأمنية من خلال عدة ممارسات تضمن إفلاتهم من العقاب، أطلق العنان لوحشية الأجهزة الأمنية للتوغل في الحياة اليومية للسوريين على كافة الأصعدة، بالإضافة طبعاً للعديد من المزايا والمغريات المادية لهؤلاء الأفراد وعائلاتهم.  وتمثلت حمايته لهم في عدة أشكال، الشكل المباشر كان من خلال سلطته بإصدار مراسيم وقوانين تضمن إفلات أفراد هذه الأجهزة من الملاحقة القضائية لدى إرتكابهم الانتهاكات والجرائم خلال عملهم[27]. وعلى رأس هذه النصوص القانونية يأتي الدستور السوري، حيث لا يجوز محاكمة رئيس الجمهورية إلا بجرم الخيانة العظمى[28]. وحتى لا يترك النظام أي أمر لاي اجتهاد قضائي او لصدفة قرار قضائي يقترب من محاسبته، أو من ملاحقة أحد قادة الأجهزة الأمنية قضائياً، وضع الأسد نفسه على رأس الهرم القضائي من خلال رئاسته لمجلس القضاء الأعلى، وبذلك أضحى يتمتع بالقوة والسلطة على التحكم بالسلطة القضائية أيضاً ، ويضاف إلى ذلك سلطته في اختيار القضاة وتعيينهم بناء على توصيات الأجهزة الأمنية[29]. وفوق كل ذلك لا يمكن تجاهل صلاحياته في منح العفو الخاص لمن يمكن إدانته قضائياً.

وبتاريخ  28/3/1968  صدر مرسوم إحداث إدارة المخابرات العامة وتضمن نصه عدم نشره فجاء في المادة 30 منه : “لا ينشر هذا المرسوم ويعمل به اعتباراً من تاريخ صدوره” .

فيما نصت المادة 16 منه على منح العاملين في إدارة المخابرات العامة حصانة ضد الملاحقة القانونية تجاه الجرائم التي يرتكبونها أثناء تأديتهم لعملهم إلا بإذن خاص من مدير إدارة المخابرات :

“لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكولة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير”.

كذلك كان الحال بالنسبة لعدم النشر وإعطاء العناصر الأمنية الحصانة الدائمة , في المرسوم التشريعي 549 تاريخ 25/5/1969 المسمى قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة , فنصت المادة  74 منه :

(  لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء، في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامه بها قبل إحالته على مجلس التأديب في الإدارة واستصدار أمر ملاحقة من قبل المدير.

ونصت المادة 101 منه على : ( – لا ينشر هذا المرسوم ويعتبر نافذاً من تاريخ نفاذ المرسوم (14) تاريخ 15/1/ 1969

وفي عام 2008 صدر المرسوم التشريعي رقم 69 الذي منع الملاحقة للمنتمين لأجهزة الأمن الداخلي او الأمن السياسي أو الجمارك، إلا بقرار من القائد العام للجيش والقوات المسلحة[30].

وبعد الثورة الشعبية في عام 2011 استمرت ضمانات الإفلات من العقاب في التوسع، من خلال استمرار إصدار مثل هذه التشريعات والقوانين والقرارات التنظيمية والادارية، ففي سبيل إعطاء شرعية لاعتقالات العناصر الأمنية للمواطنين قام النظام بإضفاء صفة الضابطة العدلية على هذه العناصر بحجة إجراء تحقيقات وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك من خلال المرسوم التشريعي رقم  55  لعام 2011  الذي نصت المادة 1 منه على أن:

” تضاف إلى المادة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفقرة التالية.. 3- تختص الضابطة العدلية أو المفوضون بمهامها باستقصاء الجرائم المنصوص عليها في المواد من 260 حتى 339 والمواد 221و388 و392 و393 من قانون العقوبات وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها على ألا تتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام قابلة للتجديد من النائب العام وفقا لمعطيات كل ملف على حدة وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوما “.

وامتدت الحصانة القضائية بعد عام 2015 امتدت الحصانة القضائية إلى الحلفاء الروس المتواجدين على الأراضي السورية، وذلك بموجب الاتفاقية غير المعلنة الموقعة بين النظام السوري والروسي[31].

ممارسات الأجهزة الأمنية:

تعتمد هذه الأجهزة في سياستها عدة تقنيات منها الترغيب والترهيب والخوف والتعتيم، وطمس أية وثائق رسمية  تدل على تأسيسها، وجودها، سياساتها، خططها، تركيبتها، أنشطتها. -كما ذكرنا سابقاً- لذلك من الصعب الحصول على معلومات او أية وثائق رسمية عن تأسيسها أو طبيعة عملها أو أفردها. فمن تستطيع استمالته يتم عرض المكافآت والمناصب والتسهيلات له. وعلى النقيض من ذلك يكون مصير من يعارض فيتم التعامل معه، ما بين المضايقات والمراقبة والتعرض للعائلة وحظر السفر والإبلاغ عن أفراد العائلة والأصدقاء، والاعتقال التعسفي والقتل والتعذيب والحرمان من المحاكمات العادلة[32].

وقد تحدثت العديد من التقارير الحقوقية للمنظمات المحلية والدولية والأممية، عن أبرز الأدوات لتنفيذ هذه السياسة، حيث يبرز التعذيب والقتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والحرمان من معايير المحاكمات العادلة والعنف الجنسي[33]، وهي ترقى لتشكل جرائم دولية (جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب)[34]، حيث يتعرض لها  السوريون منذ استلام النظام القائم الحكم في سوريا، وكانت ترتفع وتيرته لتظهر علناً في بعض الحالات، كما حصل في مجزرة مدينة حماة عام 1982 والتي تم تدمير ما يقارب ثلثي المدينة فيها خلال أقل من شهر واحد، واخنفت عائلات بأكملها وغطت جثث الضحايا فيها جميع أحياء المدينة، ولا يمكن حتى اليوم إحصاء عدد القنلى أو المختفين قسرياً من الرجال والنساء والأطفال والكهول.  

وبعد الثورة الشعبية 2011 استمر النظام من خلال أجهزته الأمنية والجيش والميليشيات التي أحدثها أو أحضرها من حلفائه الخارجيين كالميليشيات العراقية، والإيرانية، واللبنانية وغيرها[35]. والشي الوحيد الذي تغير بعد عام 2011، أن النظام لم يستطع السيطرة على تدفق المعلومات وكشف الحقيقة بسبب التطور التقني في عالم المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعي، لذلك استفاد من هذا التدفق ليكون أداة جديدة لمراقبة الأفراد والمنظمات داخل سوريا أو التي تتعاون في الشأن السوري[36]. وعلى سبيل المثال، قبل عام 2011 كانت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا كتويتر وفيس بوك محظورتين، وبعد 2011 سمحت الأجهزة الأمنية بها في سبيل مراقبة النشطاء، بالتعاون مع الخبرات الروسية[37] والإيرانية في هذا المجال[38].

ومع كل هذه الأهداف، الاحتياطات والإجراءات التي اتبعتها هذه الأجهزة الأمنية، تم اختراقها من خلال تسريب معلومات وأدلة ووثائق كشفت لحد هام البنية الهيكلية لهذه الأجهزة وممارساتها مع المدنيين ومن هذه الممارسات التي حظرها حتى الدستور السوري[39]:

التعذيب الوحشي والقتل خارج إطار القانون والتجويع والحرمان من الماء والرعاية الصحية والإخفاء القسري وقائمة تكاد لا تنتهي من الأساليب الوحشية، وهذا ما أثبتته صور المصور العسكري المنشق “قيصر”، الذي سرب مع صديقه “سامي”[40] عشرات آلاف الصور لآلاف الضحايا والتي تظهر على اجسادهم الهزيلة أكثر علامات التعذيب وحشية والتي لم تحتويها حتى صور الهولوكوست. ناهيك عن أبسط الحقوق في التواصل مع العائلة أو الوكلاء القانونيين.

التدخل في الحياة اليومية يتناول كل مفاصلها[41]، فأي تجمعات واجتماعات تخضع للرقابة سوار كانت داخل سوريا أو خارجها فيما يتعلق بالمعارضين[42]، بغض النظر إذا كانت أنشطة فنية كالحفلات الفنية. ثقافية كالأمسيات الثقافية وندوات المفكرين والأدباء، اجتماعية كحفلات الزفاف، أو حتى ممارسة الطقوس الدينية كالذهاب إلى أماكن العبادة أو إنتقاء وتعيين رجال الدين[43].  ويمتد التدخل إلى حقوق أخرى، كحظر السفر دون الحصول على موافقة أمنية[44]. ناهيك عن قمع حرية التعبير[45].

يبرز التعذيب والقتل خارج إطار القانون والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والحرمان من معايير المحاكمات العادلة والعنف الجنسي، وهي ترقى لتشكل جرائم دولية (جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب)، حيث يتعرض لها  السوريون منذ استلام النظام القائم الحكم في سوريا، وكانت ترتفع وتيرته لتظهر علناً في بعض الحالات

الملخص:

منذ استلام النظام الحاكم وعلى رأسه عائلة الأسد لزمام السلطة قبل ما يزيد عن نصف قرن، كان ديدنهم في حكم البلاد يقوم على الترهيب والعنف من خلال أذرعها الأمنية التي كانت وفية لهذه العائلة، ومارست ولا تزال قمع كل الحريات وانتهاك كل الحقوق، والبطش بكل الأصوات المناهضة. لذلك لا أفق في أي تغيير نحو الديمقراطية وإطلاق الحريات، بوجود هذا النظام المتشبث بالسلطة بقوة مساعديه الأمنيين. وحتى الأجهزة الأمنية لا وجود أي فرصة لإصلاحها، حيث ان أغلب أفرادها تلوثت أيديهم بدماء السوريين على مدار عشرات السنين وليس خلال العشر سنوات الأخيرة فقط. ويجب أن يترافق ذلك مع تحقيق العدالة لكل ضحايا انتهاكات هذه الأجهزة بتوجيه من النظام الحاكم، وسيتم ذلك فقط من خلال تطبيق العدالة الجنائية والاجتماعية معاً في آن واحد، وإصلاح المؤسساتي وتعديل القوانين والدستور وجعل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تسمو على أي تشريعات محلية، إذا تحقق كل ذلك فيمكن التحدث وقتها عن مصالحة بين الضحايا ومؤسسات الدولة التي فشلت في التزاماتها الإيجابية والسلبية في حماية المدنيين.

ابراهيم القاسم
WRITEN BY

ابراهيم القاسم

محامي وحقوقي سوري، درس القانون في جامعة دمشق (سوريا) وهو مدير مجموعة ملفات قيصر. دافع عن الكثير من المعتقلين/ات السوريين/ات أمام محكمة الإرهاب السورية. وعمل كمستشار للأمم المتحدة، مع التركيز على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعهد راؤول ولينبرغ لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. يقوم حاليًا بإكمال برنامج الماجستير في حقوق الإنسان في Bard College Berlin. منذ عام 2016، يعمل في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان- ECCHR، على الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا والمسؤولية القانونية عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *