الانتخابات النرويجية 2021: نهاية ثمانية سنوات من حكم اليمين

950


“لو فزنا لولاية ثالثة فإن الأمر أشبه بالمعجزة” هكذا وصفت أرنا سولبيرغ رئيسة الوزراء ورئيسة حزب اليمين خسارة الانتخابات البرلمانية دورة 2021 لصالح حزب العمال. في المقابل ضحك الأخير كثيراً رغم أنه يسجل انحدار تاريخي في عدد المصوتين له مرة تلو الأخرى. فرحة حزب العمال كان سببها المقترحات التي وضعها الحزب قبل الانتخابات حول تحالفاته مع حزبي اليسار الاشتراكي SV وحزب الوسط    SP كخيار أول لتشكيل الحكومة في حال فوزه في الانتخابات. وبالفعل، كانت نتائج هذين الأخيرين في الانتخابات كافية لتمكين حزب العمال AP من تشكيل حكومة الأغلبية flertallsregjering.

أولاً وقبل الخوض في الانتخابات الحالية، يجب توضيح بعض المصطلحات التي ستسهل قراءة النص:

Flertallsregjering، Mindretallsregjering، Koalisjonsregjering، Ettpartiregjering, Sperregrensen

في الفترة بين 1945 و 1961 استطاع حزب العمال تشكيل حكومة حزب واحد (Ettpartiregjering) بعد فوزه بأكثر من خمسين بالمئة. في الوقت الحالي تتشكل الحكومة بالتوافق وهو ما يسمى Koalisjonsregjering.

تكون الحكومة غالبية flertallsregjering عندما يحقق حزب Ettpartiregjering أو تجمع أحزاب Koalisjonsregjering أكثر من خمسين بالمئة (85 مقعد برلماني أو أكثر من أصل 169). 

على سبيل المثال في عام 2017 دخل حزب اليمين Høyre في تحالف حكومي Koalisjonsregjering مع الحزب التقدمي FrP والحزب المسيحي KrF وحزب اليسار Venstre واستطاعوا معاً حصد 88 مقعد برلماني وهو ما مكنهم من تشكيل حكومة غالبية flertallsregjering. عند انسحاب الحزب التقدمي FrP من الحكومة عام 2020 تحولت الحكومة التوافقية لحكومة أقلية Mindretallsregjering بسبب فقدانها لأعضاء الحزب التقدمي ال 25. وذلك يعني اضطرار الحكومة العودة لتصويت البرلمان في كل قرار تنوي اتخاذه.

حكومة هذا العام ستكون توافقية بالضرورة لصعوبة تشكيل حكومة من حزب واحد. يتم التوافق عادة بين الأحزاب التي تحمل سياسات متشابهة وهو الأمر الذي يشكل النقاش السياسي الأهم في مرحلة ما بعد الانتخابات. حتى قبل يوم الأمس كان المتوقع أن تتشكل حكومة غالبية flertallsregjering تضم كلاً من AP و SP و SV، ولكن بعد انسحاب SV يوم أمس فإن الحكومة ستكون حكومة أقلية Mindretallsregjering.

الفارق الرئيسي بين حكومة الأغلبية والأقلية هو أن الأخيرة تحتاج للعودة للبرلمان في كل قرار تتخذه.

Sperregrensen

هو مصطلح آخر مهم في العملية الانتخابية. في البرلمان هناك ١٦٩ ممثل عن الأحزاب، و sperregrensen تتعلق بحصول الحزب على أكثر من 4% من الأصوات على الصعيد الوطني، مما يسمح للحزب بالحصول على ممثلين برلمانيين من أعضاء التكافوutjevningsmandatene

هناك 150 ممثلًا بحسب المناطق distriktsrepresentanter يتم اختيارهم وفقًا لعدد الأصوات التي يحصل عليها الحزب في المقاطعة، في المقابل يتم اختيار أعضاء التكافوutjevningsmandatene ال ١٩ على أساس عدد الأصوات التي تحصل عليها الأحزاب على المستوى الوطني. هذا العام شهدت الانتخابات معركة ال sperregrensen والتي خاضتها أربع أحزاب: الحزب الأحمر Rødt، حزب البيئة الأخضر MDG وحزب اليسار Venstre وحزب الشعب المسيحي KrF.

نتائج انتخابات 2021 والفارق عن الانتخابات الماضية 2017

تراجعت أصوات اليمين المتمثلة بحزب اليمين Høyre والحزب التقدمي  FrP والحزب المسيحي Krf بنسبة 4.7% و 3.6% و 0.4% على التوالي. سيلفي ليستهاوغ رئيسة الحزب التقدمي  FrP ظهرت في خطابها بعد ظهور النتائج وهي تتشمت بحزب اليمين بسبب عدم اكتفائه بالتحالف مع حزبها FrP بل ذهب بعيداً في محاولة لتشكيل حكومة الأغلبية flertallsregjering بالتحالف مع حزب الشعب المسيحي Krf وحزب اليسارVenstre وهو ما سبب خسارة الانتخابات حسب رأيها. كما ظهرت وهي تتفاخر بمسقط رأسها، مقاطعة روم ورومسدال Møre og Romsdal وذلك بسبب تصويت الأغلبية هناك لحزبها، الحزب التقدمي FrP بنسبة 22.06%.
في المقابل احتفل اليسار بفوز متوقع لحزب العمال AP، ولكن ما لفت الأنظار كان أمرين:
-الأول خسارة حزب البيئة الخضر MDG ووقوعه تحت نسبة ال sperregrensen رغم التوقعات بأن الانتخابات الحالية ستكون انتخابات تولي الأهمية القصوى للبيئة والتغير المناخي.
-الحزب الأحمر Rødt واكتساحه للأصوات مما سيمكنه من التواجد في البرلمان ب 8 نواب بدلاً من نائب واحد بعد الانتخابات السابقة.

معركة  ال sperregrensen وحزب اليسار Venstre يفوز بأصوات البيئة

بدأت الانتخابات في تمام الساعة التاسعة من مساء الإثنين 13 أيلول-سبتمبر وذلك عندما تم الإعلان عن نتائج الأصوات المسبقة. النتائج الأولية أظهرت بوضوح أن الحكومة اليمينية في النرويج لن تستمر في الحكم وأن يوناس ستورا Jonas Støre هو رئيس الوزراء القادم.
مع وضوح الصورة  بالنسبة للأحزاب الخمسة الكبرى في البرلمان، شهدت معركة الأحزاب الأصغر فارق مريح لحزب الحمر Rødt فوق ال sperregrensen  بحصوله على 4.9% من الأصوات الأولية. حزب الخضر MDG كان هو الآخر يعيش فرحة مبدئية بحصوله على 4.1% من الأصوات. فيما وقع كل من حزبي اليسار Venstre وحزب الشعب المسيحي KrF تحت الحد المطلوب.
ال sperregrensen كانت عامل الإثارة فيما تبقى من سهرة الانتخابات، وشهدت انقلاب حزب اليسار Venstre لفوق النسبة المطلوبة فيما لم تكتمل فرحة حزب الخضر MDG الأوليّة وذلك عندما تراجعت نسبته مع اكتمال فرز الأصوات لتنتهي عند 3.8%.
النقاش دار قبل الانتخابات حول قدرة حزب الخضر MDG على الفوز بأصوات المرشحين المهتمين بالبيئة في ظل اهتمام أحزاب أخرى بالقضية من خلال دمج ذلك مع قضايا أخرى. وهو الأمر الذي يفسر فوز حزب اليسار Venstre بأغلبية شبابية وصعوده فوق ال sperregrensen.

ماذا تنتظر النرويج الآن؟


أظهرت النتائج بعد يوم الانتخابات مباشرة أن الحكومة الحلم ل يوناس ستورا Jonas Støre قابلة للتحقق مع تحقيق حزبه مع كل من SP وSV لما نسبته 52% من الأصوات و88 عضو برلماني، مما سيمكن ستورا من قيادة حكومة أغلبية flertallsregjering تستطيع سن القرارات دون الرجوع لتصويت البرلمان.
هل هو بالفعل فوز لحكومة حمراء وخضراء كما يدعي حزب العمال؟
حكومة خضراء حمراء كانت ممكنة التحقق لو أن مجموع ممثلين أحزاب الحمر Rødt والبيئة MDG واليسار الاشتراكي SV قد تجاوزت عدد ممثلين حزب الوسط SP. في هذه الحال كان ممكناً تشكيل حكومة خضراء حمراء بالأغلبية قادرة على سن القوانين دون الرجوع للبرلمان وتصويت الأحزاب اليمينية على القرارات المختلفة. أما الحكومة التي حاول حزب العمال تشكيلها مع حزبي الوسط واليسار الاشتراكي فهي بديل عن الحكومة الحلم. الآن وبعد انسحاب حزب اليسار الاشتراكي SV سارع رئيس حزب الحمر Rødt بيورنار موكسنس Bjørnar Moxnes لتذكير حزب العمال بأن الناخبين أرادوا تغييراً في الحكومة، وذلك خوفاً من تحالف الحزب مع أحزاب يمينية بغية تشكيل الحكومة.
ولكن الأيام التي تلت الانتخابات أوضحت عجز يوناس ستورا عن إقناع رئيس حزب الوسط SP تريغفا فيدوم Trygve Vedum بالدخول في حكومة مع حزب  اليسار الاشتراكي SV، ويرغب في المقابل بتشكيل حكومة Mindretallsregjering تجمع فقط حزبي العمال AP والوسط  SP دون اللجوء لحزب SV. مع مرور أسبوعين على ظهور نتائج الانتخابات، ظهر رئيس حزب SV أودون ليسباكين Aydun Lysbakken يوم أمس ليعلن انسحاب حزبه من تشكيلات الحكومة، وذلك بسبب عدم اهتمام حزبي العمال والوسط بقضايا الفوارق الاجتماعية والبيئة حسب تعبيره.

رئيس حزب SV أودون ليسباكين Aydun Lysbakken

من المنتظر في الأيام القادمة أن يعلن يوناس ستورا عن التوصل لاتفاق مع حزب الوسط SP لتشكبل حكومة للسنوات الأربع القادمة. رئيس الوزراء الجديد الذي كان على علم تام أنها فرصته الأخيرة للفوز بالانتخابات، يقوم الآن بالكثير من التنازلات من أجل تشكيل حكومة برئاسته، رغم معارضة الكثيرين لأفكاره من بينهم شباب حزب العمال AUF.

Osama Shaheen
WRITEN BY

Osama Shaheen

أسامة شاهين: محرر في دار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *