تعذيب ممنهج – تعرض آلاف الأشخاص للتعذيب حتى الموت في سوريا.

769

كتب المقال: مانفريد نيتتنغنيس من مدينة شين. يحمل بكالوريوس في العلوم السياسيّة من جامعة Tromsø

بالتزامن مع جائحة كورونا، تمت مشاركة صور جديدة من أرشيف “قيصر” على وسائل التواصل الاجتماعي. تمكنت العديد من العائلات ولأوّل مرة من معرفة مصير أحبائهم، فيما لم يوفق البعض الآخر من العثور على أفراد عائلاتهم المفقودين بين صور قيصر المؤلمة ليبقى مصيرهم مجهولاً.
كان لهذه الصور في هذا الوقت تأثير كبير على تجربة السوريين مع الوباء في جميع أنحاء العالم.


تعذيب ممنهج – تعرض آلاف الأشخاص للتعذيب حتى الموت في سوريا.

تخيل أنه تم القبض على ابنك أو ابنتك وبقي مصيرهم مجهولاً لسنوات عديدة دون معرفة فيما إذا كانوا على قيد الحياة، تم تراهم فجأة في صور صغيرة بعد أن تعذيبهم حتى الموت.

هذا بالضبط ما اختبرته آلاف العائلات السورية خلال فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا- عندما شاهدت من خلال قيصر صوراً لـ 6786 شخصاً كانوا قد ماتوا تحت إشراف أجهزة المخابرات في النظام السوري. تمكن العديد من الأهالي من التعرف على أحبائهم في الصور بعد سنوات عديدة لم يتلقوا فيها أي إجابة عن مكان وجودهم.

 تم ذلك بعد أن قام منشق، يُدعى قيصر، بتهريب هذه الصور من سوريا، والمثير للدهشة أن الصور التقطت من قبل نظام الأسد نفسه كجزء من خطته لأرشفة سجلات الضحايا. كان لكل جثة رقم كتب عليها في الصور. لا أسماء، فقط أرقام.

آلات القتل:

تُظهر الصور التي تم نشر بعضها علناً ​​في 2014، جثثاً تعرضت للتعذيب والتجويع والتشويه. هناك علامات تشير إلى الاختناق والحروق. بعض الجثث افتقرت إلى الأسنان، العيون، و حتى إلى الرؤوس.
في ديسمبر من عام 2015 وفي تقرير يتألف من 86 صفحة، ذكرت “هيومن رايتس ووتش” إن 9 شهور من البحث كشفت عن بعض القصص وراء صور لمتوفين في معتقلات حكومية تم تسريبها من سوريا، ونشرت علناً للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2014.
تقرير “لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية” -قدم أدلة بشأن صحة ما صار يعرف بصور قيصر، وقام بتحديد هوية عدد من الضحايا، وسلط الضوء على بعض الأسباب الرئيسة لوفاتهم.
قامت هيومن رايتس ووتش بإجراء مقابلات مع 33 عائلة من الأقارب وأصدقاء ل 27 ضحية تحقق باحثون من حالاتهم، و37 معتقلاً سابقاً كانوا قد رؤوا أشخاصاً يموتون في المعتقلات، و4 منشقين عملوا في المعتقلات الحكومية أو المستشفيات العسكرية السورية، هناك حيث تم التقاط معظم هذه الصور.
تمكنت هيومن رايتس ووتش وباستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي، من التأكد من صحة الصور وأنه قد تم التقاطها بين أيّار/مايو 2011 حتى مغادرة قيصر في آب/أغسطس 2013.
صرحت هيومن رايتس ووتش بعد ذلك أن الصور تظهر 6786 شخصاً فقدوا حياتهم في معسكرات الاعتقال بعد أن تم نقلهم إلى مستشفى عسكري يسمى “601” في دمشق، هناك وبسبب نقص المساحة تم تخزين الجثث بعيداً في مرآب للسيارات، كان يستخدم في الأصل لإصلاح المركبات العسكرية.
قامت بعد ذلك ثماني عائلات فقط بنشر معلومات عن وفاة أقاربها. فيما لم تعلن العائلات الأخرى خشيةً على سلامة أفراد الأسرة ممن بقوا في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، أو على أقاربهم الذين ما زالوا في مراكز الاعتقال السورية. هناك بالتأكيد سبب وجيه خلف ذلك، فالعديد من السجناء السابقين الذين تمت مقابلتهم قالوا إنهم تعرضوا للاعتقال بدلاً من أحد أقاربهم المطلوبين من قبل الحكومة.
 تم تعذيب الضحايا بشكل منهجي وعلى نطاق واسع. تقول منظمة حقوق الإنسان أنه و للأسف، فإن الصور لا تمثل سوى جزء صغير جداً للجرائم التي يتعرض لها المعتقلين في سوريا حيث يعاني عدد لا يحصى من الناس المصير نفسه كل يوم.

رسم مارك نيلسون Marc Nelson فنان أمريكي يقوم بتوثيق ضحايا الاعتقال والتعذيب في سوريا من خلال رسوماته وأعماله الفنية


وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، نُشر في تشرين الثاني / نوفمبر 2015، تم من خلاله توثيق اختطاف الحكومة السورية ل 65 ألف شخص منذ بداية الحراك الشعبي في سوري
في آب / أغسطس 2016، جاء تقرير جديد من منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان يؤكد مزاعم التعذيب ضد النظام السوري. ويقدر التقرير أن 17723 شخصًا لقوا حتفهم في مراكز الاعتقال في سوريا في الفترة بين 2011 حتى 2016.

ذكر تقرير منظمة العفو الدولية أن هؤلاء الأشخاص كانوا قد فقدوا حياتهم في مراكز الاعتقال، وهو أمر اعتيادي في المعتقلات السورية وليس استثناءً. منذ بدء المظاهرات السلمية في عام 2011، شنت الحكومة السورية حملة منظمة ضد المعارضة بالاعتقالات والإخفاء القسري.
وذكر التقرير أن النظام قام باعتقال المواطنين السوريين بأعداد كبيرة، وأنه تم استهداف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والأطباء والعاملين في المجال الإنساني بشكل خاص. قد تتم محاسبتك إذا قدمت المساعدات لأحد العائلات أو في حال جئت من مناطق تسيطر عليها المعارضة. العديد من الأشخاص لا يعرفون سبب سجنهم وعدد قليل منهم تم تقديمهم إلى العدالة.
أجرت منظمة العفو مقابلات مع 65 سورياً تم سجنهم. تحدث السجناء عن تهديدات ممنهجة و تعذيب و حالات اعتداء  بدأت لحظة القبض عليهم. قال كل من قابلتهم منظمة العفو الدولية إنهم تعرضوا لأساليب بدت وكأنها تتكرر من سجن إلى آخر في جميع أنحاء سوريا في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري:
 1) تقييد السجناء أو تعليقهم من السقف أو “صلبهم” ويتم تعريضهم للضرب المبرح ساعة تلو الأخرى، يومًا بعد يوم. يقولون إن قلع الأظافر أو الحرق بالماء المغلي أو بالسجائر يشكل جزء شائع من التعذيب اليومي.
 2) الصدمة الكهربائية شائعة، إما أثناء الوقوف في بركة ماء على الأرض أو بسلاح الصدمات الكهربائية. يتحدث بعض الناس عن استخدام الكهرباء مباشرة على الرأس. وتعرض العديد منهم للضرب والصعق بالكهرباء على “البساط السحري” – وهي طاولة تتألف من جزئين يتم فيها تقييد السجناء على الطاولة ويتم طي الجسد من المنتصف.
3) تحدث العديد عن كيفية حرمانهم من النوم. في أحد السجون، تم تشغيل الأغنية نفسها المؤيدة للأسد مرارًا وتكرارًا ليلة بعد ليلة، وبصوت عالٍ لدرجة أن “الجدران اهتزت وكادت طبلة الأذن أن تنفجر”.
4) وفقًا للسجناء، يتم أيضًا استخدام الاعتداء الجنسي بشكل منهجي لتعذيب المعتقلين.
5) أخبر العديد عن شهادتهم لانتهاكات وإعدامات تم ارتكابها بحق معتقلين آخرين, وعن كيفية إدخال الزوجات أو الأخوات إلى السجن وإساءة معاملتهن أمام أعين النزلاء لحملهم على “الاعتراف” ، أو كيف يُجبر أفراد الأسرة على مشاهدة تعذيب أحبائهم.

مارك نيلسون

عام 2017، صدر تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية مؤلف من 48 صفحة يخبرنا عن 13000 شخص آخرين تم شنقهم في سجن صيدنايا العسكري. تمكنت منظمة العفو الدولية بعد عام من البحث الذي تضمن مقابلات مباشرة مع 84 شاهداً (بمن فيهم معتقلون سابقون وحراس ومسؤولون) من إثبات أن عمليات الشنق في صيدنايا تمت وفق إجراءات ثابتة مخطط لها. تعرض السجناء للتعذيب الممنهج والحرمان من الطعام والماء والأدوية والعلاج الطبي.
تعتبر منظمة العفو أن هذه الممارسات هي جزء من “سياسة الإبادة” المتعمدة لرموز المعارضة أسفرت عن قتل العديد منهم. قال عدد من السجناء السابقين في صيدنايا إنهم تعرضوا للاعتداء الجسدي أو في بعض الحالات تم إجبارهم على القيام بالاعتداء على سجناء آخرين. يستخدم التعذيب والضرب كشكل شائع من أشكال العقاب والإذلال، وغالبًا ما يؤدي إلى إصابات تستمر مدى الحياة أو حتى الموت. أرضيات زنزانات المعتقل مغطاة بالدماء والقيح من جروح السجناء. يقوم حراس المعتقل بجمع جثث الموتى كل صباح، ولا يسمح للسجناء عندها بإحداث ضوضاء أو التحدث أو الهمس. قد تصل عقوبة النظر إلى الحراس أثناء قيامهم بإخلاء الجثث إلى الإعدام.
كشفت الصور والتقارير عن حملة خفية شائنة تم القيام بها بعد تلقي الإذن من أعلى مستويات الحكومة السورية، تهدف إلى سحق أي شكل من أشكال المعارضة بين صفوف الشعب السوري.

مارك نيلسون

لا تزال سجون نظام الأسد مليئة بآلاف السجناء السياسيين الذين يمارس عليهم كل أشكال التعذيب التي تم ذكرها. عادة لا تعرف العائلة والأصدقاء مصير أحبائهم. فقط في حالات استثنائية يتم تأكيد المعلومات وتقتصر على معرفة ما إذا كان شخص ما على قيد الحياة أو ميتاً. الضحايا ليسوا مجرمين أو إرهابيين، هم أبرياء تم قتلهم على يد جلادين في المعتقلات السورية التي بنيت خصيصاً لهذا الغرض. يمارس نظام الرئيس السوري بين جدرانها قمعًا وتعذيباً ممنهجاً.
 إن ضحايا هذا التعذيب المؤلم الذي لا نهاية له يفتقرون إلى حد كبير إلى تضامن إخوانهم القادرين على التحدث باسمهم وبالنيابة عنهم بينما هم يقضون ليلهم ونهارهم بين عتمات الزنزانة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *