من سيكون إرهابي النرويج التالي؟

589

مر ما يقارب العشر سنوات على حادثة 22 يوليو/ تموز، لكننا سنبقى نتذكر ونكره ذلك اليوم. ماذا بإمكاننا فعله لنمنع شبابنا من أن يصبحوا أخطر تهديداً لنا؟

في 17 مايو/أيار من العام الماضي أرسل لي أحدهم رسالة من زنزانته في السجن. تضمنت الجملة الأولى من الرسالة المكتوبة بخط اليد السؤال التالي ” قذافي، ماذا ستقول في مقابلة عالمية حصرية إذا كانت باللغة الإنكليزية ومكوّنة من جزأين؟”. لم أرد على الرسالة أبداً، فالمرسل كان إرهابي 22 يوليو.

مجرزة أوتويا utøya التي هزت النرويج والعالم. 22يوليو 2011
(Photo by Paula Bronstein/Getty Images)

شباب غاضبون

منذ ما يقارب العشر سنوات، اختبرت النرويج ما يمكن أن يفعله المرء نتيجة للكراهية. فقد تم إزهاق حياة 77 شخص برئ بوحشية، وذلك على يد أحد النرويجيين الكارهين لحزب العمال والمهاجرين والمسلمين، حيث تمنى هذا الإرهابي بأن يؤدي الإرهاب إلى حربٍ أهلية وفوضى في بلاده. ما حدث هو أنه، في الزوايا المظلمة للإنترنت، أصبح هذا الإرهابي قدوةً تحتذي بها الشباب الغاضب من جميع أنحاء العالم.

 قلق من قِبَل PST

في حلقة الليلة الماضية من السلسلة الوثائقية ” Norge bak fasaden” والتي يتم عرضها على شاشة TV2 قمتُ أنا وزميلتي يانه أمبله Janne Amble بالمحاولة لمعرفة المكانة التي وصلت إليها النرويج في مكافحة جرائم الكراهية والإرهاب. ما هو الحال في واحدة من أكثر دول العالم أماناً وثراءً وديمقراطية؟
حقيقة فإن ما وجدناه لا يبعث على الطمأنينة، فهناك غضبٌ شديدٌ بين بعض الشبان. لحسن الحظ فإنهم ليسوا بالكثيرين من حيث العدد، لكنهم غاضبون بدرجةٍ كافية لجعل أجهزة الأمن بحالة قلقٍ اتجاه ذلك الغضب.
يتوجه غضب هؤلاء الشبان نحو المسؤولين المُنتَخَبين والمهاجرين والنسويات والمثليين وغيرهم ويصفوهم بالحثالة والخونة والصراصير. فيعتقد البعض من هؤلاء الكارهين بأنه لا ضيّرٌ من استخدام كلمات من شأنها نشر الكراهية والمؤامرات، بينما يقوم البعض الآخر بخطو خطوة أبعد نحو العنف أو يقوم بعضهم برسم تخيلاتٍ عن القتل الجماعي. فلم يمض وقتٌ طويل على مهاجمة أحد الشبان لمسجد مدينة باروم محاولاً قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين في المسجد. 
السؤال الآن: كيف ينبغي على النرويج تجنب أن يصبح شبابنا أخطر تهديداً لبلدنا؟

الفوضى كهدف

قمت كصحفي بتغطية الحوادث الإرهابية منذ الهجمات على نيويورك في 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001. لقد شاهدت جرائماً دمويةً مروّعة في جميع أنحاء العالم، كما وأعددت الكثير من التقارير عن الإرهاب المُرتَكَبْ من قِبَلْ كلٍ من القوميين البيض والإسلاميين المتطرفين. يوجد الكثير من الجنون هناك في الخارج، ولكن هنا أيضاً في بلدنا داخل حدود النرويج، يُوجَد من يحلم بخلق نفس الظروف المرضيّة. فهم يريدون أن تتصاعد النزاعات في مجتمعنا لدرجة تؤدي في النهاية إلى انهيار الدولة، فأناس كهؤلاء مقتنعون بأنه من خلال إراقة الدماء وإثارة الفوضى يمكنهم بناء نرويج جديدة تكون فقط للنرويجيين البيض.

هذه العقلية المشوّهة تتضح للعيان في عالمهم على الإنترنت، ففي المنتديات الرقمية المختلفة يكون هناك الكارهون المجهولين الهوية. كما أنك تجد هناك الكثير من المحتوى المتطرف الذي يستهدف الدماغ ليتم إضعافه تماماً. فهذه المنتديات هي الأمكنة التي يضعون فيها “قوائم القتل” التي تصنف أفضل القتلة ومرتكبي الجرائم الجماعية في العالم. وإنه لأمر مؤسف أن يكون العلم النرويجي بجانب اسم أحد الإهابيين، كيف لا وإرهابي 22 يوليو بات يعتبر قدوة في هذه المنتديات. أمرٌ يدعو إلى الاشمئزاز، لكن للأسف هذه هي الحقيقة المرة.

https://derjournal.no/2020/07/23/en-av-oss-%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%85%d9%86%d9%91%d8%a7/

تبادل كتيّبات الإرهاب
السؤال الذي يجب طرحة هو، هل يمتلك مجتمعنا ككل تركيزاً قويا ًوكافياً لمعالجة هذا التعكر الذي يهدد الحياة؟ في الوقت الحالي، نحن لا نتحدث عن حرية التعبير وانتقاد الإسلام والهجرة، لا، فهؤلاء المواطنين بعيدين عن النقاش وحرية التعبير. فقد وصلوا إلى مرحلةٍ يتبادلون فيها كتيبات إرهاب بمثابة دليل مستخدم، توضح كيفية قتل أكبر عدد ممكن من الرجال والنساء والأطفال في أقصرِ وقتٍ ممكن.

شبكات رقمية متطرفة

القلق الكبير هو من هؤلاء الذين يسيرون في الشوارع بزييهم ويظهرون الكراهية والعنصرية، فإن عدهم ماضٍ في التزايد في النرويج وبقية أوروبا. أما الأمر الأكثر إثارةً للخوف هو الأنشطة الرقمية المتطرفة، حيث يوجد هناك من المتطرفين الذين لم يلقوا المعارضة. فهم يشاركون الصور والملفات دون الكشف عن هويتهم الأمر الذي يجعل من الصعب كشفهم من قبل الشرطة. في عالمهم الرقمي المغلق، يطلقون على أنفسهم لقب الوطنيين، وأما الآخرين من الليبراليين ودعاة العولمة فهم أعداء يستحقون الموت.

غسيلُ دماغ تدريجيّ

هناك في منصاتهم، يقومون بتطوير إمكانات عنف متطرفة، والتي غالباً لا يتم كشفها إلا بعد فوات الأوان. لا أحد يولد ليكن إرهابي بالفطرة لكن هؤلاء الأشخاص يتم التلاعب بهم بدرجة غير محدودة عن طريق الإنترنت. كما يتم حقنهم مع الوقت بالأكاذيب والدعايات والأوهام. لكن في النهاية فالأمر متروك لهم. وهذا بالضبط ما قد حدث في الولايات المتحدة، حيث تم القيام بغسيلٍ للدماغ بشكلٍ هائل وتدريجي مما أدى إلى فقدان المواطنين لثقتهم ببعضهم البعض، وفقدان ثقتهم بالسلطات ووسائل الإعلام.

أُناسٌ منقسمون

يعتقد الكثير من هؤلاء الذين قاموا بمهاجمة الكونغرس وبشكل جديّ بأن الرئيس ترامب هو ذلك الرجل الذي يقف في وجه النخبة السياسية من عبدة الشيطان في واشنطن. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهم يعتقدون أيضاً أن أولئك الذين يحكمون البلاد يديرون بالفعل شبكة عالمية لممارسة الجنس مع الأطفال. هذه الأفكار التي يتم زرعها وتلقينها تشكل خطراً على الحياة وكراهيةً مميتة ضد شعبهم لذلك فإن الأمريكيون الآن منقسمون لدرجة أنه من المؤلم مشاهدتهم بهذه الحالة.

WASHINGTON, DC – OCTOBER 13: U.S. President Donald Trump and American evangelical Christian preacher Andrew Brunson (L) (Photo by Mark Wilson/Getty Images)

تطورٌ سلبي

رأينا في النرويج بعض من هذه الأفكار السامة أثناء محاكمة الإرهابي الذي هاجم المربع الحكومي وأوتويا عام 2011. أما الآن وبعد عشر سنوات قد يعتقد المرء بأن الأمور قد تطوّرت على نحوٍ إيجابي، لكن للأسف الأمر ليس كذلك. حيث تشهد أجهزة الأمن التابعة للشرطة زيادةً في نشاط اليمين المتطرف وخاصة على الإنترنت.  فلقد ولّى الوقت الذي ترك سناوسكالر فيه هاتفه المحمول خارج قاعة الاجتماعات ودخل للحديث عن اليهود والعرق الآري. الآن كل ما عليهم القيام به هو فقط تسجيل الدخول إلى جهاز الكمبيوتر للحصول على تحديثٍ إيديولوجيّ من أشخاصٍ ذوي تفكيرٍ مماثل في الجانب الآخر من الكرةِ الأرضية.

إسلاميون متطرفون

بالإضافة إلى اليمينيين المتطرفين، قمنا أنا ويانه أمبله بالنظر أيضاً في التهديد الذي يشكله الإسلاميون المتطرفون. فالأمر لم ينته بعد على ولو تم القضاء على ما يُسمى بخلافة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية. أما المرحلة التالية ستكون تابعة لإطلاق سراح المزيد من المقاتلين الأجانب من السجون النرويجية والأوروبية، فهل سيخرج هؤلاء إلى المجتمع كمواطنين صالحين تم إصلاحهم حديثاً أم سيبقون مغسولي الأدمغة كالسابق؟ سوف نرى ذلك مستقبلاً.

كلاهما من نفس الصوف Begge er av samme ulla

بعد المشاهد الصادمة التي أتت من الولايات المتحدة، حان الوقت للتذكير بأن لدينا قوى في بلدنا لديها نفس الفكر المعادي للإنسان. فاليمينيين المتطرفين والإسلاميين المتطرفين يمتلكان نفس الهدف وهو ببساطة تحقيق المزيد من الاستقطاب. حيث أن منطق هذه القوى هو رفع مستوى الصراع في المجتمع وذلك من أجل تآكل الثقة التي نحملها باتجاه بعضنا البعض. كلاهما من نفس الصوف Begge er av samme ulla, كما يُقال باللغة النرويجية الرصينة.

يجب ألا ننسى أبداً

فيما يتعلق بتسجيل الفيلم الوثائقي، حصلت على حق الدخول إلى مبنى عالي في المربع الحكومي. حيث يجب صعود السلالم في المبنى الذي تم تفجيره وصولاً إلى الأعلى، حيث اعتاد مكتب رئيس الوزراء أن يكون. لقد كانت رؤية الدمار في الداخل بالتجربة القوية، أما عندما وقفت هناك على القمة فكرت بأننا كأمةٍ يتوجب علينا ألا ننسى أبداً ذلك اليوم. فلذلك فقد كانت مساهمتي الصغيرة هي عدم الرد على رسالة القاتل الجماعي والتي أرسلها من سجن Skien.

ماذا بعد؟

أنا شخصياً لا أريد مقابلته أو اجراء لقاء معه، فلا يوجد داعي لذلك بعد أن تم تغطية المحاكمة بأكملها والتي جرت في محكمة أوسلو. لكن كصحفيّ فإنني لا أعارض من حيث المبدأ بأن تقوم الصحافة بالحديث معه. فهذا الأمر سيحصل عاجلاً أم آجلاً، لكن لن أكون أنا من سيفعل هذا ويقابله. أما قلقي الكبير بعد العمل على هذا الفيلم الوثائقي فهو ممن سيكون إرهابي النرويج القادم. هل سنستطيع منع ما حدث في 22 من يوليو/ تموز بأن يحدث مرة ثانية؟ خاصة في ظل التطور المظلم الذي نشهده الآن.


كتب النص: قذافي زمان Kaddafi Zaman
يعمل قذافي كصحفي في محطة TV2. اشتهر بالفترة الأخيرة بعد إعادة نشر لفيديو يظهر فيه قذافي مبتسماً أثناء قيام أعضاء منظمة سيان اليمينية بشتمه أثناء تغطيته لمظاهرتهم في أوسلو.
سيان سألوا قذافي: ماذا يفعل الباكستانيون في النرويج؟ hva pakistanere gjør i Norge
الأمر الذي دفع قذافي للبدء بحملة كبيرة تحمل هاشتاغ بنفس السؤال وبدأ مع ناشطون نرويجيون باكستانيون بمشاركة إنجازات الباكستانيين منذ قدومهم إلى النرويج.

ترجم النص للعربية : مهند عبدالله

لقراءة النص باللغة النرويجية:
https://www.tv2.no/mening-og-analyse/11882145/?fbclid=IwAR2yGitK3OAwQjihj7SAcKtTArhH0kthGdKXKSCTkVb8jCnlMegqLy_d7eY

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *