يحيى حسن

558

في التاسع والعشرين من شهر نيسان من العام الحالي، تم العثور على شابٍ متوفي في منزله.

الشاب الذي عُثرَ عليه كان يحيى حسن. الشاعر صاحب الصوت الحي والقصائد الواقعية الذي يمنحك عند قراءة قصائده إحساساً بتواجده معك في نفس المكان.

اكتشف عالمُنا الإسكندنافي الصغير يحيى حسن في عام 2013. حيث كان يبلغ في ذلك الوقت 18 عاماً، وظهر أول مرةٍ ككاتب من خلال مجموعته الشعرية “يحيى حسن”. تم بيع المجموعة بما يتجاوز جميع التوقعات لتصبح في النهاية المجموعة الأكثر مبيعاً في الدنمارك.

أطلق يحيى على نفسه اسم الرشّاش الشعريّ، الاسم الذي يناسبه على نحوٍ كاف. لكنه وصف نفسه أيضاً بالفلسطينيّ عديم الجنسية والحامل لجواز السفر الدنماركيّ. حيث فرّ والدا يحيى الفلسطينيان من لبنان إلى الدنمارك في ثمانينيات القرن الماضي، وُلِدَ يحيى عام 1995 في مدينة آرهوس الدنماركية وترعرع هناك مع أشقائه الأربعة. في المدرسة، كان لدى يحيى صعوباتٍ في التأقلم، كما تعرّض للأذى ليتحول بعد ذلك إلى مجرمٍ صغير.

يحيى حسن

في سن الثالثة عشر، تم أخذ يحيى من منزله من قبل مؤسسة رعاية الطفل وذلك في عام 2008. هناك قام يحيى بكتابةِ نصٍ تم اتهامه لاحقاً بسرقتهِ. الأمر الذي دفعهُ إلى كتابة نصٍ جديدٍ وتسليمه مرة أُخرى إلى معلمته، لتدرك المعلمة بأن لدى يحيى موهبة أدبية وشعرية كبيرة. بدأت المعلمة بإعطائهِ كتباً كما وقامت بترتيب دورة خاصة بالكتابة ليحيى.

وكجزءٍ من القصة أُدينَت المعلمة ذاتها لاحقاً بإقامةِ علاقةٍ مع يحيى عندما كان عمر الأخير 16 عاماً بينما كانت تبلغ 38 عاماً. لم تعد معلمته بعد ذلك وتم تعيينها كمشرفةٍ عليه. قامت هذه المعلمة بنشر كتابٍ بعنوان “كلمات” وهي الكلمة التي أصبحت لاحقاً وشماً على يد يحيى اليمنى. يتناول الكتاب العلاقة القائمة بين طالبٍ شاعرٍ فلسطيني دنماركي شاب وامرأة كبيرة في السن.

بعد عدةِ سنوات، قام حسن ككاتب بتحقيق رقم قياسي لم يتم تحقيقه في الدنمارك من قبل. تدور مجموعته الشعرية “يحيى حسن” حول طفولته والبيئة التي نشأ فيها. المجموعة كانت بمثابة الصوت الصادق الذي يحكي عن نشأته كمهاجرٍ من الجيل الثاني في الدنمارك، حيث أثار المشاعر بصوره غير الخاضعة للرقابة. وصف الشاب تلك الطفولة البعيدة كل البعد عن الطفولة المثالية، أبٌ عنيف وأم كانت تُغلق باب المطبخ في محاولة لتفادي سماع الصراخ.

كشاعرٍ، كتب يحيى عن حياته وتربيته باللغة الدنماركية، مستخدماً ما يُسمى ب “بيركر دانسك”, وهي اللغة الخليط بين اللغة الدنماركية المعيارية وكلماتٍ مستعارة من العديد من اللغات الأُخرى، والتي تحتوي على صفات نحوية تميّزها عن اللغة الدنماركية المعيارية. كما هو الحال أيضاً في أجزاء المدن النرويجية التي يقطنها عدد كبير من المهاجرين ذوي الخلفيات العرقية المختلفة، حيث يمكن مقارنة “بيركر دانسك” بما يسميه البعض “كباب نورشك” في النرويج.

 أو بما يُسمى “رينكه سفانسك” في السويد، والتي تُستخدم بشكل خاص بين الشباب الذين يتناوبون بين هذه “اللغات” واللغة المعيارية.

يعتقد الباحثان اللغويان سلينا وكويست أن التعددية اللغوية تتميز باستخدامها من قبل العديد من الأقليات للتعبير المشترك عن وضعها كأقليات، أو كرد فعل على هذا الوضع من أجل الرقيّ به.

قام يحيى بالتعبير عن نفسه بحريةٍ وصراحة في الموضوعات المثيرة للجدل كالاندماج والإسلام. وكذلك الأمر قام بالتعبير عن جيل الوالدين المُصاب بصدمة، وعن المعايير المزدوجة، والنفاق، واستغلال قوانين الضمان الاجتماعي. يرى يحيى أن التعصب عند والديه حال دون إعطاء أطفالهم فرصة أن يكونوا جزء من العالم المحيط بهم.

قصيدة طفولة ليحيى حسن
ترجمة نوال تهاينة

دفع حسن ثمن صدقه غالياً، ويمكن سماع هذا الصدق الحاد يرافق يحيى منذ طفولته، مروراً بيحيى الشاب الناقد للمجتمع ولوالديه ولسياسات الاندماج والثقافة الفرعية التي نشأ فيها. كل ذلك جعل يحيى الشخص المثير للاهتمام.

لم يتم انتظار ردود الفعل طويلاً، تم مدح يحيى حسن، دارت النقاشات حوله، كما تم تهديده بالقتل.

نتيجة التهديدات، تلقى يحيى حسن الحماية من الشرطة في الفترات التي تلت ظهوره الأول، كما وعاش فترة في منزل مارتن كراسنيك الذي كان مُضيفاً في البرنامج التلفزيوني الدنماركي Deadline. حيث كان يحيى ضيفاً على هذا البرنامج في تشرين الأول من عام 2013 وذلك لقراءة قصيدةٍ من مجموعته الأخيرة. وهو الأمر الذي كان بمثابة بداية للصداقة العميقة بين يحيى ومضيف البرنامج مارتن.

كانت البداية ناجحة، وباستمرارها، ازدادت الفوضى في حياة الشاعر. كما أن ازدياد قوة المديح والجدل حوله كان مترافقاً مع تهديدات بالقتل. أصبح يحيى يقراً الشعر في قاعات ممتلئة بالمستمعين، مرتدياً البدلات في بعض الأحيان، والسترات الواقية من الرصاص في أحيانٍ أُخرى، كما كان عليه الأمر في مهرجان الآداب في ليليهامر عام 2014.

الطريقة التي قدم يحيى شعره من خلالها ومظهره الشخصي تركا انطباعاً كبيراً. كان يقرأ قصائده بشكلٍ حاد، واثق، يبدو كغناء. يشدد على كل كلمةٍ، ليعطيها إيقاعاً وكأنها صدى لصوت المطرقة.

تميزت السنوات التي أعقبت ظهور مجموعة يحيى الشعرية بأن يحيى حسن أصبح بين عشيةٍ وضحاها شخصية مشهورة، مثيرة للجدل وعرضة للتهديدات. حيث تعرض للاعتداء عدة مرات كما استمر في تلقي التهديدات. وتم استخدام يحيى كممثل ونموذج من قبل أحزابٍ يمينية ويسارية مختلفة وذلك لأهدافٍ سياسيةٍ مختلفة.

باختصار، أراد الجميع قطعةً من يحيى حسن.

كتبت وسائل الإعلام بكثرةٍ عن إحساس المؤلف الجديد، ليس فقط في الدنمارك، ولكن أيضاً في بقية الدول الإسكندنافية. أُطلقَ على يحيى اسم المعجزة الأدبية والمُتمرد والمُهاجر من الجيل الثاني. في الدنمارك والنرويج تمت كتابة الكثير عن الناحية الأدبية في شعر حسن، لكن القصائد كانت تُرى أيضاً من زاوية سياسية. وفي السويد على وجه الخصوص، تمت مناقشة فيما إذا كان عرض يحيى المباشر والغير مُزخرف لحياته، يمكن أن يعزّز التحيّزات والاستقطاب، أو أنه من الممكن أن يتم استغلاله من قبل الأصوات ذات الدوافع المنتقدة للهجرة والكارهة للإسلام.

في آذار من عام 2015, حُكِم على يحيى بالسجن لمدة أربعة أشهر بتهمة العنف، بعد مزاعمٍ بقيامه بضرب أحد الأشخاص على وجهه، كما وسبقت إدانته بالتخطيط للإرهاب. استأنف يحيى الحكم لتتم تبرئته لاحقاً من قِبَل محكمة الاستئناف. في نيسان ومن نفس العام، أعلن يحيى بأنه سيرشح نفسه للبرلمان كممثل عن الحزب الوطني، وهو حزبٌ سياسيّ كان قد تم تشكيله حديثاً. ولكن في شباط من عام 2016 تم استبعاده من الحزب بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه وهو يقود سيارة تحت تأثير المخدرات.

بعد أن أجرت صحيفة Morgenbladet مقابلة مع يحيى بفترةٍ وجيزة، ركبَ دراجته النارية بحذرٍ مُتجنباً رجال الشرطة. ففي العام السابق قام حسن بخرق الترتيبات المتعلقة بالحراسة الشخصية لحياته. حيث أعرب للصحفيين بأنه تعرّض لحريةٍ مقيدةٍ، وأن الشرطة لم تستطع حمايته من ردود الفعل المضادة على مجموعته الشعرية.

في شهر أيلول من عام 2016, تم رفع دعوى إلى محكمة آرهوس وجه فيها 35 تهمة إلى يحيى، بما فيهم إطلاق النار على قدم شابٍ يبلغ السابع عشر من عمره. اعترف يحيى بجميع التهم الموجهة إليه ولكن ليس بتهمةِ إطلاق النار.

تمت إدانته مرةً أُخرى في عام 2018. كان العنف والتهديد وخرق منع الزيارات من بين الأمور التي اتُهِمَ بها. ليتم الحكم عليه في هذه المرة بالعلاج النفسي الإجباري ولأجلٍ غير مُسمى.

مجموعة ” يحيى حسن 2″ صدرت فجأةً في تشرين الثاني من عام 2019 والتي تضمّنت 59 قصيدة جديدة. ليتم بعد ذلك ترشيح هذه المجموعة الشعرية لجائزة المجلس الاسكندنافي للأدب. بعد ذلك بعدةِ أشهر توفيَّ يحيى.

حضر الكثيرون جنازة يحيى وذلك يوم الثلاثاء 5 أيار في آرهوس. لحسن الحظ، لم تطبق بعد في ذلك الوقت قيود كورونا على الاجتماع في الجنازات. قام عمّ يحيى الإمام أبو خالد بقيادة طقوس الجنازة. وكانت الشرطة من بين الحضور وكذلك سيمون باسترناك مدير تحرير جريدة Gyldendals الدنماركية، ومارتن كراسنيك. حيث ألقى، رابين آزاد أحمد مستشار الثقافة وخدمة المواطن في آرهوس كلمة اقترح فيها تسمية أحد شوارع مدينة آرهوس باسم يحيى، كما وأكد بكلمته على أن يحيى كان صوتاً بارزاً لطرح قضايا اجتماعية مهمة للنقاش. اقتراح أحمد جعل يحيى حسن عرضة للمناقشة والجدل حتى بعد وفاته- فهل يمكن تسمية أحد الشوارع على اسم كاتب أُدين بالجريمة؟

يحيى حسن، ظاهرة فريدة

فريداً، ليس لقصته، ولكن لأنه قام بروايتها وبتلك الطريقة. فالقصة تحكي عن شخصيةٍ مُعقّدةٍ، عن عدم الاكتراث بالرعاية، عن التعايش مع التهديدات بالقتل وتسليم النفس للموت.

موت يحيى خسارةً للشعر. خسارةً لوجهة نظر جريئة حاولت فهم صعوبات التواجد بين ثقافتين

“أريد أن يتم ذكري كواحد من هؤلاء الأشخاص، الذين لم يقتلوا بلا سببٍ على هذه الأرض”

“فلسطيني من دون جنسية, يملك الجواز الدنماركي”






ورد النص في العدد الأول من مجلة دار
كتب النص:
أ. ل. مينتزوني
نشأت مينتزوني بين ثقافات و لغات متعددة. ناشطة اجتماعية
“أشعر بالفضول حيال التجربة البشرية المشتركة, و عندي قناعة تامة أن أفضل القصص ما زالت مخفية عنّا”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *