كيف ألقى الحجر وباءه على رمضان

1004


كان شهر رمضان لعام 2020 مختلفا بشكل كبير بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم وذلك بسبب كورونا، أما في النرويج فقد تزامن رمضان أيضاً مع محاكمة فيليب مانهاوس, الإرهابي الذي أراد قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين في العيد الماضي, وهو الأمر الذي أرخى بظلاله على شهر رمضان بالنسبة للمسلمين في النرويج.

الحياة الاجتماعية هي أهم ما يميز شهر رمضان في الظروف الطبيعية، لكن للأسف توجب إلغاء طقوس الإفطار والصلوات الجماعية لهذا العام. ولكن الأمر الذي كان إيجابياً هو إمكانية التواجد لوقت أطول مع العائلة المقربة والتمتع بأوقات أكثر هدوءً. تحظى المساجد بعدد أكبر من المصلين في شهر رمضان، وهو الأمر الذي كان مختلفاً هذا العام عندما تم إغلاق معظم المساجد حول العالم.

في هذا العام تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كبديل فقير للاجتماعات الدافئة المقترنة عادةً بشهر الصوم، فمن خلال كاميرات الأجهزة الذكية تم التواصل مع العائلة والأصدقاء، كما قام العديد بتوصيل الطعام لبعضهم البعض. أما في عائلتنا غالباً ما نقوم بتبادل وإرسال الصور ومقاطع الفيديو خلال شهر رمضان، الأمر الذي يعطينا شعوراً بتواجدنا سوية على الرغم من بعد المسافة بيننا. أحد الأمور اللطيفة كانت قيام أحد أعمامي بطلب نفس وجبة الطعام لجميع أفراد العائلة، الأمر الذي أتاح لنا تناول نفس الطعام في وقت واحد كلٌ في منزله.
إن الوباء المنتشر على نطاقٍ عالمي جعل من الطبيعي التفكير بشكل أكبر بأننا محظوظين كوننا نعيش في بلد يمتلك نظام رعاية واسع النطاق، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون قلقين بشأن العائلة والأصدقاء الذين مازالوا يعيشون في الوطن الأم، هناك حيث أحدثت كورونا عواقباً ذات خطورة أكبر بكثير، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالبطالة ونقص الغذاء والدواء وسوء الخدمات الصحية.

كان لابد من الصلاة وممارسة العبادات داخل جدران المنازل في رمضان من هذا العام، الأمر الذي دفع المجلس الإسلامي في النرويج إلى مشاركة صور توضيحية على فيسبوك والتي تشرح للعائلات كيفية الصلاة معاً، حيث يقف الأب أو الابن كإمام للصلاة، والأم والبنات في الصفوف الخلفية، الأمر الذي أثار ردود فعل قوية وانتقادات تتناول موضوع عدم المساواة بين الرجل والمرأة. كتبت أمينة سليموفيتش و رانيا الناهي من Hikmat-HusetلجريدةVårtland , بأن هناك  في التقاليد الإسلامية متسعاً للنساء من أجل إمامة الصلاة ضمن الأسرة, و ذلك في إشارة لأم ورقة رفيقة النبي محمد و التي تم تعيينها من النبي نفسه لتكون إمام بيتها. بالإضافة لذلك فقد كان هناك أيضاً علماء دينٍ كبار منفتحين على فكرة إمكانية المرأة للقيام بإمامة الصلاة خارج المنزل أيضاً.

إن النقاش المطروح مثير للاهتمام حيث أنه يوضح كيف أنه يمكن للمعايير أن تتغير ويتم إعادة التفاوض عليها في الثقافات والتقاليد الإسلامية وخاصةً فيما يتعلق بدور الجنسين، الأمر الذي تعزز وجوده نتيجة لوباء كورونا.

في منتصف شهر رمضان تقريباً، بدأت محاكمة فيليب مانسهاوس الإرهابي الذي قام بقتل أخته غير الشقيقة، و ذلك لكونها من أصول صينية، ثم قام بالذهاب إلى مسجد النور في باروم  Bærum بهدف قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين. لقد كان الإرهابي قد خطط بالفعل لتنفيذ الهجوم في عيد الأضحى لعام 2019, ثم قام بتغيير الخطة في اليوم السابق، وبالتالي ولحسن الحظ لم يكن هناك الكثير من الناس في المسجد عندما قام مانسهاوس بإطلاق النار هناك.

ربما لم يتوقع الإرهابي الشاب أن يتغلب عليه محمد رفيق البالغ من العمر 65 عاماً، والذي كان جالساً في المسجد لقراءة القرآن. يخبرنا رفيق محمد والذي كان جندياً سابقاً في سلاح الجو الباكستاني، بأنه حصل على قوة لم يتوقعها عندما قام بطرح الإرهابي أرضاً ونجح في تثبيته لدقائق طويلة لحين وصول الشرطة.

لقد أظهر رفيق بطولةً غير عاديةٍ أنقذت حياة جميع المتواجدين في المسجد، فبعيداً عن الأنانية خاطر رفيق بحياته من أجل إنقاذ الآخرين. مؤخراً تلقى رفيق في الذكرى السنوية للهجوم وساماً من الدولة النرويجية تقديراً لجهوده. رفيق أوضح بعد تسمله الوسام أنه ما زال يعاني نفسياً من الحادث.

عندما نقوم بسماع تفسيرات الإرهابي في المحكمة، يتجدد لدينا الخوف من وقوع هجمات جديدة على المساجد، حيث أوضح مانسهاوس للقاضي بأنه يشعر بالأسف لعدم نجاحه في قتل المزيد، وأنه سيقوم بفعل الأمر نفسه مرة أخرى إذا تمكن من الخروج. إن هذا الخوف من الهجوم يتشاركه المسلمون مع أحد الأقليات الدينية الأخرى، فبعد وقت قصير من الهجوم في باروم Bærum تعرض كنيس يهودي في ألمانيا للهجوم في يوم كيبور, كما أنه تحتم على المعبد اليهودي في أوسلو التعايش مع هذه المخاوف لسنوات عديدة, و هو الأمر الذي يؤكد ضرورة أهمية الوقوف معاً ضد قوى اليمين المتطرف.

في العيد الماضي كان من المهم الاجتماع لأداء صلاة العيد الجماعية، وذلك لإظهار بأننا لا نريد السماح للإرهابيين بالسيطرة، أما في هذا العام فأصبح من المهم عدم اجتماع الكثير من الناس وذلك من أجل مكافحة انتشار فيروس كورونا.

كما هو معروف، فإن الأفكار الإبداعية غالباً ما تظهر في وقت الأزمات، وكمثالٍ طريفٍ على ذلك ما حدث في تريفان Tryvann في أوسلو، حيث قام أحد أكبر المساجد في أوسلو بالتعاون مع البلدية هناك بتنظيم فعالية للاحتفال بالعيد كبديل آمن ضد العدوى للعائلات، حيث تم ترفيه الأطفال وتوزيع الحلويات عليهم وهم جالسون مع عائلاتهم في سياراتهم المصطفة أمام شاشة كبيرة.

كما أن قيام القناة الحكومية الرسمية ان ار كو NRK بالبث المباشر لبرنامج العيد كان دعماً بمثابة تضميد للجراح الناتجة عن عدم إمكانية اجتماع الناس مع بعضهم البعض للاحتفال بعيد الفطر. حيث أن هذه كانت المرة الأولى التي تحتفل فيها قناة نرويجية بعيد الفطر من خلال برنامج ترفيهي خاص والذي تضمن موسيقى وطبخ وضيوف بارزون. الأمر الذي يعتبر خطوة مهمة نحو دمج المسلمين وتطبيع وجودهم كونهم ثاني أكبر مجموعة دينية في النرويج.

يعد برنامج ان ار كو NRK مهماً لإظهار مدى التنوع الكبير بين مسلمي البلاد والبالغ عددهم 200000 تقريباً، كما يظهر في نفس الوقت بأن جميعنا أيضاً متشابهون بشكل كبير، حيث أن فرحة الاحتفال بالأعياد والاستمتاع بالطعام الجيد والهدايا هي نفسها بالنسبة للجميع. ليس هناك تناقضاً بين كوننا جزءاً من الجالية المسلمة والمجتمع النرويجي الكبير، ولربما يمكننا جميعاً أن نصبح أفضل في أخذ المبادرة لدعوة الناس للمشاركة في الاحتفال في أعيادنا الدينية. كلّي أمل بأن تكون ممارسة رمضان ممكنة في العام المقبل إذا سمح وضع كورونا بذلك.           



كتب المقال: ليندا نور
المدير التنفيذي في منظمة Minotenk وعضو مجلس الإدارة في Hikmah-huset

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو Linda-Noor-byline-839x1024.jpg

المقال كتب لمجلة دار وورد في عددها الأول:”حجر صحي في المنفى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *